دعوة الرئيس الاميركي جورج بوش مجلس الأمن إلى رفع العقوبات الدولية عن العراق تبدو مضحكة. فالادارة الاميركية التي خالفت الشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة واتفاقات جنيف وذهبت إلى الحرب على رغم العالم ودوله بما فيها جيران الولايات المتحدة وتحديدا كندا والمكسيك تريد اقناع العالم انها ملتزمة بالقوانين والاعراف وانها لا تستطيع مخالفة قرارات الأمم المتحدة ورفع العقوبات عن دولة حطمتها الحروب والغزوات واخيرا العدوان الاميركي.
تبدو الدعوة اقرب إلى السخرية من الأمم المتحدة وشماتة بدور مجلس الأمن ودوله الكبرى اكثر مما هي صحوة ضمير وبداية استعداد للعودة إلى القوانين والشرائع والضوابط الدولية. فالدعوة لا تريد المصالحة بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة بقدر ما تهدف إلى استخدام المنظمة الدولية حين تكون هناك مصلحة اميركية وانتهازية سياسية في الكيل بمكيالين. الدعوة في شكلها العام صحيحة وانسانية الا ان مبادرة بوش إلى طرحها تتضمن الكثير من السخرية من قوانين وقرارات تنفذ واشنطن ما يناسب مصالحها واهدافها وتضرب عرض الحائط كل ما لا يلبي حاجاتها التي تتسم عادة بالانتهازية والاستكبار.
وتشبه دعوة بوش تلك التصريحات التي اطلقها بعض رجال ادارته حين طرح مسألة الديون على العراق مطالبا روسيا وفرنسا والمانيا الغاء ديونها لمساعدة الدولة التي تعرضت للحرب والاعتداء والتدمير والتحطيم من قبل اميركا للنهوض باقتصادها واعادة اعمارها بإشراف الولايات المتحدة. فالدعوة الى الغاء الديون فكرة حسنة الا ان المقصود منها السخرية من الدول التي عارضت الحرب على العراق وحاولت جهدها القانوني لمنع الولايات المتحدة من تنفيذ عدوانها العسكري.
الدعوتان أيضا تشبهان في جوهرهما تلك الدعوة التي اطلقها وزير الخارجية البريطاني جاك سترو مطالبا رئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون باحترام القانون الدولي واتفاقات جنيف وتعهداته وتحديدا تلك المتعلقة بقرارات مجلس الأمن.
رد شارون ساخرا من سترو وذكره بان بريطانيا ايضا خالفت القرارات الدولية وشرعية مجلس الأمن حين حاربت العراق من دون غطاء قانوني. وسخر شارون من سترو حين اشار إلى ان لندن ايضا استخدمت في حربها على العراق اسلحة محرمة دوليا وبررت استخدامها لتلك الاسلحة وصنفتها من الانواع الشرعية بينما كانت تنتقد تل ابيب على استخدامها ضد المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين.
سخر شارون كثيرا من سترو مستخدما مخالفات حكومته البريطانية في العراق ذريعة لتغطية مخالفاته في لبنان وفلسطين واحتلاله الاراضي العربية منذ العام 1967. و«من ساواك بنفسه ما ظلمك».
«اسرائيل» اليوم تعيش احلى ايامها. ليس فقط لان العراق خرج من معادلة الصراع العربي - الاسرائيلي بل لان الدول الكبرى التي تدعي احترامها للقانون الدولي والتزامها الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن واتفاقات جنيف عن الاسرى والاسلحة واحترام الحقوق والحريات وحق الشعوب في تقرير مصيرها... كانت هي المبادرة في حربها اللاعادلة على العراق الى ارتكاب سلسلة حماقات خطيرة خالفت كل ادعاءاتها السابقة في التزامها بالأعراف والتقاليد والشرائع الدولية.
رد شارون على سترو ساخرا وشامتا... وصمت سترو. ماذا يستطيع ان يقول له ان هذه غير تلك وما يحق للندن لا يحق لتل ابيب؟
الحرب على العراق اوقعت منظومة العلاقات الدولية في ازمة ثقة، كذلك وضعتها امام تحديات خطيرة افسحت المجال لكل الدول المخالفة، وتحديدا دولة شارون وحكومته، للمزيد من العدوان والتذرع بالحرب على العراق لتبرير ليس فقط كل حروبها العدوانية السابقة على فلسطين ولبنان والدول العربية بل اعطاء شرعية أو تغطية قانونية (سابقة اميركا وبريطانيا في العراق) للقيام بالمزيد من الاعتداءات والحروب والمخالفات بذريعة انه يحق لاسرائيل ما يحق لغيرها (واشنطن ولندن).
تبدو دعوة بوش مجلس الأمن الى رفع العقوبات عن العراق مضحكة. فهو يعود إلى الأمم المتحدة ساعة يشاء لمساعدته على حل ازمة عدوانه. وتشبه دعوته تلك التصريحات التي اطلقها رجال ادارته لالغاء الدول المعارضة للحرب ديونها على العراق حتى تساعد واشنطن ماليا في تحسين صورتها امام الدمار الشامل الذي ارتكبته في غزوتها. وتشبه دعوة بوش تصريحات سترو واتهامه شارون بمخالفة القرارات الدولية وشرعية الأمم المتحدة.
انه عالم مضحك فعلا. شارون يسخر من سترو، سترو يسخر من بوش... وبوش يسخر من العالم
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 224 - الخميس 17 أبريل 2003م الموافق 14 صفر 1424هـ