العدد 224 - الخميس 17 أبريل 2003م الموافق 14 صفر 1424هـ

الإعلام وحقوق الإنسان

نصت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في العام 1948 على أن «لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير، ويتضمن ذلك الحق، اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وبثها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية»،

أضافت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى هذا المفهوم الإنساني لحرية الإعلام بعدا جديدا العهد الدولي الذي أصدرته في العام 1966. فقد تضمن البيان نصا يؤكد على أن «الحق في حرية التعبير يتضمن حرية البحث عن المعلومات والأفكار من كل نوع، والحصول عليها ونشرها دون أي اعتبار لأية حدود سياسية وبالشكل الذي يختاره الفرد، سواء كان شفهيا أم كتابيا أم مطبوعا أم متلفزا أم بأي شكل آخر». ويمكن فهم الشكل الآخر أنه يعني الآن الانترنت.

لا يستطيع الإعلام العربي أن يمارس رسالته في الدفاع عن حقوق الإنسان العربي وعن حقوق الجماعات في الوطن العربي إذا كان هو نفسه يفتقر إلى حقوقه الكاملة كما وردت في إعلان 1966. فإذا كان الإعلام قد لاقى على مر الأجيال اهتماما وتقديرا، فذلك لأنه قادر على أن يلعب الدور المؤثر والفاعل الذي يكبح جماح غطرسة السلطة والذي يعبر عن قناعات الناس ويدافع عن حقوقهم.

حتى أن الرئيس الأميركي توماس جيفرسون Thomas Jefferson كتب في العام 1787 قائلا: «لو ترك لي الخيار بين أن تكون لنا حكومة من دون صحف، أو صحف من دون حكومة، فلن أتردد في اختيار الثاني».

إن تأثير الإعلام على حياة الأفراد والجماعات، وكذلك على صناعة القرار وعلى التوازن الاجتماعي، هو في تزايد متواصل.

منذ العام 1921 كان الصحافي الشهير والتر ليبمان Walter Lippman يردد: «إن الصور المتمركزة في رؤوسنا، تتشكل بصورة أساسية من الصور التي نحصل عليها من أجهزة الإعلام».

إن دور الإعلام في تحديد القيم الاجتماعية، وتأثيره على طريقة فهم الحقائق وبلورة المقومات الاجتماعية، وقوته على إحداث التغيير واستيعابه، يجعل منه (من الإعلام) أدلة لتكوين الرأي العام أكثر منه مجرد أداة للإعراب عن وجهة نظر الرأي العام.

المنظرون لا يزالون يختلفون حول ما إذا كان الإعلام يكون أو يعكس آراء وتطلعات الرأي العام. هذا الاختلاف قد يستمر عقودا طويلة أخرى، ولكن لا يمكن الشك في أن الإعلام هو أداة تغيير أساسية. فهو من جهة أولى يسفه قيما وعادات وتقاليد، ويطرح من جهة ثانية مقومات جديدة اجتماعية وثقافية اقتصادية وسياسية، ويروج لها. ومن خلال عملية التغيير هذه بشقيها، تتعدى مهمة الإعلام مجرد الإعراب عن وجهة نظر الرأي العام، وتصل إلى حدود تكوين، أو على الأقل المساهمة بقسط كبير في عملية تكوين الرأي العام مضللا أو غير مدرك لحق من حقوقه، فإن الإعلام هو المسئول.

من أجل ذلك، لابد أن يتمتع الإعلام بكل أجهزته بقدر كبير من الصدقية التي تمكنه من أداء هذه الدور المهم والأساسي.

إن للإعلام تأثيرا مباشرا على تكوين القيم وحتى العقائد لدى الإنسان. وتأثير الإعلام على العقول وعلى القناعات وعلى السلوك بلغ مستوى القدرة على رسم خطوط فاصلة بين الحق والباطل. بين الصحيح والخطأ. وبين المقدس وغير المقدس. إنه قادر على إعادة ترتيب سلم الأولويات الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الفكرية لدى الناس العامة، ولاسيما في الدول النامية.

من هنا فإننا عندما نطرح موضوع حقوق الإنسان فإننا لا نستطيع أن نتجاهل دور هذه العوامل في بلورة وفي تطبيق هذه الحقوق. لقد توسع مفهوم حقوق الإنسان كما يقول الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي: «من حقوق الفرد المدنية والسياسية إلى حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى حقوقه في النمو في كافة ميادين الحياة العامة بما في ذلك حقه في العيش في عالم صحي. ولذلك فإن العملية أصبحت الأساس المركزي لنظام الحقوق».

صلة الوصل بين الإعلام وحركة حقوق الإنسان وثيقة لا تنفك عراها، تربطهما علاقة موضوعية بحيث توفر الثانية مادة غنية وموضوعا ثريا في مختلف المناحي الثقافية والاجتماعية والسياسية للأولى التي أمنت الآلية العملية لنشر هذه المفاهيم وتناميها في مختلف المجتمعات.

في ضوء الإشكال المعقد الذي يتحكم في بلورة مفاهيم حقوق الإنسان، وفي علاقة هذه الحقوق بالتنمية الإنسانية، تبرز أدوار رئيسية كثيرة للإعلام. ويتحمل الإعلام المسئوليات الآتية:

أ- مسئولية التعريف بالحقوق الإنسانية وإشاعة ثقافة احترامها والتمسك بها.

ب- مسئولية التوجيه للنضال ضد حجب أي حق أو تعطيله.

ج- مسئولية الحث على المطالبة بالحقوق المنتقصة.

د- مسئولية التنبيه إلى عدم التعسف في استخدام الحق.

هـ- مسئولية التربية على احترام الحقوق الإنسانية للآخر، فردا كان أو جماعة.

ان الإعلام العربي عندما يبادر إلى الدفاع عن الحقوق الإنسانية المحددة في الاعلان العالمي الصادر في 1948 أو عن حقوق الجماعات المحددة في اعلان فينا الصادر في 1993، أو في سواهما من المواثيق الدولية الأخرى فإنه يمارس دور الضمير الوطني ويحصر المعالجة - كما المعاناة - بالداخل الوطني والقومي وبالتالي يقطع الطريق أمام التدخل الخارجي.

ثم ان من مسئوليات الإعلام أن يبيّن أن الانتهاكات التي قد تتعرض لها حقوق المواطنين ليست موجهة إلى هذه الجماعات لاختلافها الإثني أو الديني أو السياسي، ولكن لأن الانتهاك من حيث المبدأ مصيبة عامة تنزل بكل المواطنين. وبالتالي فإن مسئولية التصدي لها هي مسئولية وطنية وجماعية، وليست وظيفة طارئة لقوى خارجية تجد فيها مدخلا للتسلل إلى عقر الدار

العدد 224 - الخميس 17 أبريل 2003م الموافق 14 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً