العدد 223 - الأربعاء 16 أبريل 2003م الموافق 13 صفر 1424هـ

ثقافة الكرامة مع بناء الجسور وضد إقامة الجدران

كوالالمبور - تشاندرا مظفر 

تحديث: 12 مايو 2017

يمكن أن يستخدم الدين كقوة اجتماعية ليبني الجسور أو أن يتم التلاعب به ليقيم الجدران. ان الكيفية التي يؤدي بها الدين وظيفته تعتمد على عدد من العوامل من بينها البيئة السياسية والاقتصادية والثقافية التي يعمل فيها اي دين مقصود. ويمكن أن تكون البيئة مساعدة لبناء الجسور أو أن يتم جعلها كذلك، أو أن يتم تشكيلها بطريقة تجعلها تسبب حزازات لدى الآخرين وهكذا تتحرك تجاه إقامة الجدران.

بتحديد أكثر، قد يرغب الممثلون السياسيون في استخدام الآراء الدينية لتحريك الدعم لموقف معين وذلك بهدف إبقاء القوة أو لإحراز قوة أكثر من تلك التي يكسبها لاعبون سياسيون آخرون في موقف آخر، في بعض الأحيان قد تشكل شخصية اللاعب أو اللاعبين المتضمنة عاملا حاسما فقد لا يرغب شخص ما في التلاعب بالدين من أجل نهايات سياسية ضيقة وقد يستسيغ شخص آخر مثل هذا الانغماس في السياسة.

ويمكن أن ينظر إلى بعض الجماعات الدينية على أن لها نفوذا اقتصاديا أكبر من جماعة أخرى أو قسم منها، وهذا يعطي فرصة لنهوض توترات وصراعات عرقية خصوصا إذا كان هناك تلاعب قوي بالعواطف العرقية.

كما قد يحصل الفرد على موقف يخدم فيه الدين كحد ثقافي فاصل وهكذا يعزز الفصل بين «نحن» مقابل «هم» في المجتمع، أو قد تشعر الجماعة نفسيا بالتهديد من قبل جماعة أخرى. وفي مثال آخر قد تشعر جماعة بأنها أعلى اقتصاديا أو سياسيا أو حتى ثقافيا من جماعة أخرى، وفي كلتا الحالتين يصبح الدين أداة في أيدي صناع القرار في تلك الجماعة.

كما أن تكييف الشخصيات الدينية المؤثرة له تأثير على دور الدين في المجتمع فإذا كانت هذه الشخصيات عالمية وشاملة وتستطيع التكيف في مواقفها، فمن المحتمل تماما أن يتبنى أتباعها طريقة مشابهة للدين، ومن جانب آخر إذا مالت النخب أو المجموعات الدينية تجاه الاقتصار على جماعة معينة أو إلى الطائفية أو التعصب فإن فرص أن يخترق تفكيرهم المسمم النسيج الاجتماعي كبيرة.

هناك أيضا دليل على قدرة الذاكرة الجماعية التي يتم التلاعب بها من قبل مجموعات سياسية ودينية في المجتمع على إقناع عناصر مهمة في المجتمع لتبني موقف عدائي تجاه دين آخر يتم النظر إليه على أنه المضطهد التاريخي لهذه الجماعة سواء اكان ذلك صحيحا أم لا، بعدها قد تنفجر الصراعات بسبب الغضب من حدث وقع بالفعل أو يعتقد أنه وقع منذ مئات السنين.

ومن الممكن تماما - على رغم من كون هذا نادرا - أن تثير عقيدة دينية محددة أو مبدأ معين أو حتى ممارسة معينة أو رمز ما، مشاعر سلبية من «الآخرين»، وهي المشاعر التي يحتمل أن تكون قد تطورت عبر فترة طويلة من الوقت، أو أن تكون كامنة في معظم أعضاء تلك المجموعة الدينية على وجه التحديد. على أي حال يمكن أن تثير ظروف معينة بعض الأعضاء للتعبير عن كراهيتهم للعقيدة الدينية أو الممارسة التي هي محل السؤال، وهذا يعني أن المذهب والقضايا الشعائرية يمكن أن يفاقما الصراع بين المجتمعات الدينية في بعض المناسبات.

وإذا فكرنا مليا في الصراعات الدينية في أجزاء مختلفة من آسيا في العقود الأربعة الماضية فسيكون من الواضح لدينا أن كل الأسباب التي أوجزناها مسبقا موجودة بصورة أو بأخرى في أحداث مختلفة، مثلا، في الهند استخدام التصويت من خلال التلاعب بآمال ومخاوف الهندوس أو المسلمين أو حتى السيخ هو حدث مألوف. إن إدراك أو عدم إدراك القوة الاقتصادية لأية جماعة في مقابل الضعف الاقتصادي لجماعة أخرى كان مسئولا جزئيا عما يطلق عليه الشغب بين الأديان في مالوكو وكاليمانتان في اندونيسيا. ولأن جميع الماليزيين مسلمين في ماليزيا، فإن الإسلام يدرك من قبل قطاع كبير من غير المسلمين في المجتمع على انه سلاح للماليزيين يمكن أن يستخدم للسيطرة أو التحكم فيهم، وبالطريقة نفسها، يتم التلاعب بالبوذية من قبل مجموعة من الرهبان البوذيين لتبرير المواقف السياسية المعادية للتاميل ، وسريلانكا ليست هي الدولة الوحيدة في آسيا التي شاركت فيها النخب الدينية في تصعيد التوترات العرقية، ففي باكستان ولأكثر من أربعة عقود سعى الزعماء الدينيون المحافظون لاستخدام الإسلام كأداة لتعزيز صورة ضيقة وطائفية وغالبا متعصبة للدين ونتيجة لذلك عانت النساء والأقليات غير المسلمة والمسلمين من أصحاب العقول التقدمية الذين يفكرون. وتنحاز العناصر ذات التأثير بين الغالبية الهندوسية في الهند إلى حزب بهارتيا جاناتا، كما أنها تسترجع باستمرار التاريخ لتوضح بأن الحكام المسلمين في الماضي عاملوا الهندوس بطريقة سيئة ومن صور تلك المعاملة أنهم دمروا معابدهم ولهذا فإن الهندوس اليوم لهم العذر في السعي لتحقيق العدالة ومعاقبة المسلمين. إن موقف قطاع محدد من الهندوس من الطبقة المتوسطة من المسلمين اليوم متأثر أيضا إلى حد ما بإدراكهم للقانون الإسلامي وعلم اللاهوت الإسلامي، ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن إدراك بعض المسلمين لتفكير الهندوس وممارساتهم.

كيف نواجه مخاطر الادراكات الخاطئة للآخرين المتدينين، وللتوترات الدينية، وللعنف الديني؟ إن التجربة الآسيوية توضح أن القيادة السياسية سواء كانت حكومة أو معارضة، تلعب دورا حيويا في ضمان أن لا يصبح ذلك الدين قوة مدمرة في المجتمع. إذا استخدم القادة السياسيون العناصر العالمية والشاملة والتقدمية في أي دين في الوقت الذي يحاربون فيه التفسيرات الضيقة والتعصبية للعقيدة، فليس مستبعدا أن يصبحوا قادرين على خلق بيئة فيها احترام وتكيف بين جميع الأديان والمجتمعات الدينية. ولكي يكون القادة السياسيون فعالين في هذه المهمة يجب أن يتم دعمهم من قبل النخب الدينية المؤثرة في كل المجموعات الدينية، هذه النخب الدينية يجب أن تكون في مقدمة المعركة لتعزيز طريقة أكثر تنويرا وأكثر إنسانية تجاه الدين. كما أن النظام التعليمي ووسائل الإعلام يجب أن يكونا مرافقين للنخب الدينية والقادة السياسيين في محاولة تطويرهم ما أطلق عليه «ثقافة الكرامة».

وفيما يتعلق بهذا الشأن فمن المهم التأكيد على ثقافة الكرامة، كرامة كل البشر، بغض النظر عن التبعية الدينية، بدلا من أن يكون هدفنا هو مجرد ثقافة حقوق. ويمكن أن يقود هذا تأكيد الكبير على الحقوق في المجتمعات المتعددة الديانات في بعض الأحيان إلى استحواذ فكرة الحقوق على الأفراد على حساب الحقوق الدينية «للآخرين». وهذا هو سبب ضرورة وجود وعي شديد بالحاجة لموازنة الحقوق مع المسئوليات عند التحدث عن ثقافة الكرامة، كما أن الكرامة تضع في المقدمة قيم مثل الاحترام والشرف والعزة وهي أمور مهمة لجميع البشر.

ولن يكون ممكنا تطوير ثقافة الكرامة في الدين إذا لم تعط القيادة السياسية اهتماما كافيا للقضايا الاجتماعية السياسية والاجتماعية الاقتصادية الحاسمة الموجودة غالبا في جذور الصراعات ما بين الأديان، وهذا يعني أنه من المهم بطريقة مشابهة زيادة مجال المشاركة السياسية وتكييف المعارضة السياسية كما هي لتطوير طريقة عالمية للدين، وبطريقة مماثلة التأكد من أن يكون هناك توزيع متساوي للثروة وتطور اقتصادي متوازن يفيد غالبية الجماهير، وهو أمر سيكون حاسما مثل إيقاف كل أشكال التعصب الديني أو استئصال التحيز الديني.

ولتطوير ثقافة الكرامة المتجذرة في الدين لن يكون كافيا مواجهة المخاطر السياسية والاقتصادية كما لو أنها تحدث في دولة قومية خاصة بشعب ما فقط. يجب أن تأخذ المطالب العالمية المتزايدة للعدالة والمساواة والحرية بعين الاعتبار التفاوتات الغير غير العادلة للقوة والثروة والمعارف التي تفصل «البعض» عن «الكل» في عالم اليوم. بلغة أخرى، على المدى الطويل ستكون العدالة في النظام العالمي مساعدة بشكل كبير على كبح التعصب الديني في بعض المناطق في العالم، أما بالنسبة لعالم غير عادل فيمكن أن يجبر ذلك المنكسرين والمحرومين على التخلي عن التوازن والموازنة - وهي مبادئ دينية عليا - والسعي وراء العبودية من خلال التطرف الديني





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً