في العام 2001 ضحكت الطبيعة على المهتمين بوقاية الطبيعة، فلبعض الوقت كانت تتم تربية الغربان في منتزه بارادايس في منطقة هيل بمقاطعة كورنال (مقاطعة تقع في غرب انجلترا) ليتم تسريح هذه الغربان بعد ذلك في البرية. لم تكن الغربان موجودة في كورنال لمدة خمسين عاما ويعتبر هذا أمرا سيئا إذ ان الغراب الأسود اللامع ذا المنقار الأحمر والأرجل الحمراء يعتبر رمزا للهوية الكورونالية، وقد ذكرت هذه الطيور في اسطورة كورنالية كما يوجد الكثير منها على شعار المقاطعة، ويشابه سبب فقدانها في هذه المقاطعة سبب هجرة الغربان السود برج لندن أو مغادرة الغراب المبقع الذيل أميركا.
ولم يكن علماء الطيور المهتمون الوحيدون بهذا الأمر بل ان عملية اعادة تخليق هذه الغربان التي قام بها منتزه باراديس توجت بتسريح «أوجي» و«ايمبلا»، الغرابين ذوي الايدي المعقوفة اللذين قاما بعمل استعراضات طيران أمام زوار المنتزه.
أخرت الخشية من مرض الحمى القلاعية اطلاق الغربان التي تم تخليقها، ما أفسح المجال للطبيعة لتنتصر عن طريق ظهور مجموعة من الغربان البرية بلا سابق انذار، لتبني لها أعشاشا. وما زاد الأمر سوءا هو حقيقة ان ذكور هذه الغربان تصدر صوتا كالقطار، وقد اختارت هذه الغربان المتطفلة بعض الصخور التي تعتبر «غير مناسبة» لبناء الأعشاش.
أما اوغي وايمبلا العجوزان فإنهما محرومان من مصيرهما كقطع بنائية في التنوع الحياتي، ويفترض بهما ان يقدما العروض إلى السياح فقط، ولكن الطبيعة لم تترك الأمور عند ذلك الحد، بل واصلت نكتة الغربان بحيلة اكثر ذكاء، هذه المرة على حساب المتحمسين للصقور آكلة السمك. هذه الصقور طبعا هي الطيور الجارحة المفضلة لدى الجميع بسبب بطولاتها المثيرة في صيد الاسماك وعاداتها المقبولة في بناء أعشاش مخفية. ولكن في الوقت الذي يوجد فيه في اسكوتلاندا مئة عش من أعشاش هذه الصقور، لا يوجد في انجلترا اي من هذه الأعشاش منذ العام 1850 عندما قتل الصيادون آخر صقر من هذه الصقور. وبعد النجاح الباهر الذي دفع بالقائمين على المشروع إلى إعادة توليد الحدة الحمراء التي اختفت ايضا من انجلترا، تشجعت مراكز اخرى مثل الجمعية الملكية لحماية الطيور RSPB وجمعيات أخرى على البدء ببرنامج تخليق مكثف لاطلاق الصقور ذات المنقار المعقوف في مياه روتلاند في الميدلاندز. ولأنها مبرمجة بغريزتها فإن هذه الصقور تعود الى روتلاند بعد رحلة الهجرة التي تقوم بها الى اسبانيا وشمال افريقيا، وفي العام 2001 عشش زوج من هذه الصقور وربيا فرخا صغيرا على سمكة السالمون القوس قزحية التي يمتلئ بها المخزون. في العام 2002 تكررت المحاولة ولكن الصغار جميعهم هلكوا بسبب برودة يونيو/حزيران ورطوبته.
في الأثناء كانت للطبيعة خططها الخاصة، فبينما كان الجميع يثيرون الضجة بشأن صقور روتلاند واضعين أسعارا تصل الى آلاف الجنيهات الاسترلينية لكل فرخ، انتقل زوج سكوتلاندي من هذه الصقور بلا قصد الى جنوب الحدود وبنيا عشهما في باسينثوايت في منطقة الليك ديستريكت، على مرأى من الناس، ومن دون اي تخطيط، او تغذية صناعية، او تعشيش اصطناعي، او اجهزة ارسال مصغرة، أو مراكز مخصصة. اذا كان هناك درس مما حدث فهو أن الحيوانات تميل إلى أن تعيد تخليق نفسها عندما تكون الظروف المحيطة مناسبة، ولكني لا اعتقد ان يتم الالتفات إلى هذا الدرس، فقد تم استثمار الكثير من الأموال في هذا المشروع ولذلك فلا يمكن ان يتوقف. طيور القندس الأوروبي على وشك ان يتم تسريحها أيضا، أما النسور الذهبية فقد أبعدت عن اوكارها ليتم تسريحها في شمال ايرلندا. الزهور البرية تزرع بشكل كبير باعتبارها نوعا من المحاصيل اللطيفة (على رغم ان الكثير منها ليست برية على الاطلاق، ولكنها محاصيل علف وخاصة بالحدائق).
ان خطة التنوع الحياتي تصور اعادة التخليق على انه مفتاح لبقاء عشرات الأنواع الكبيرة والصغيرة.
هل هناك اي خطأ في كل هذا؟ فالصقور في مياه روتلاند أو الحدآت الحمر التي تحوم حول الشوارع السريعة خارج لندن تبهج الناظرين وتسعد قلوبا كثيرة وتجلب الأموال لأسباب جيدة وتكافح ضعف اقتصادات الريف.
ان حقيقة وجود مخاطر في خلط الطيور البرية والمخلقة في الاقفاص يمكن ان يظهر بوضوح في القضية المحزنة التي حدثت لأسماك السالمون في المحيط الأطلنطي وهي من الأنواع المهددة بشكل كبير. التهجين مع الفارين من مزارع الأسماك ادى الى اضعاف المخزون البري وقدرته على النجاة. ان خشونة السالمون البري، التي تم اختبارها وتهذيبها عبر ملايين السنين من الانتقاء الاختياري لا يتم تطبيقها على الأسماك التي يتم تخليقها في شبكات وتغذيتها على الكيماويات. وهكذا فإن البقاء ليس مجرد مسألة أرقام، بل انه يتعلق بالاستعداد للبقاء، وفيما يتعلق بالسالمون فلم تمر فترة كان البقاء عليه فيها صعبا أكثر من هذه الفترة. وبشكل مشابه فإننا نتساءل ما اذا كانت الحال الخطرة التي تمر بها ديوك الكابرسيلي والسنجاب الأحمر يمكن ان تكون لها علاقة بحقيقة ان معظم هذه الحيوانات هي من نسل مخلق.
في حال المشروعات التي تم بحثها بشكل جيد والتي تم اقرارها رسميا لتسريح الطيور المفترسة، فلا يبدو انه ستكون هناك آثار جانبية غير سارة كما انه لن يكون أمرا غريبا بأن الصقور أخذت من القائمة «الحمراء» التي تحوي جميع الأنواع المهددة بالانقراض، وقد أضيف العصفور المنزلي والطيور المنزلية الى هذه القائمة (على أساس ان عددها قل الى النصف خلال الخمس والعشرين سنة الماضية)، منطقيا، يجب القيام بتسريح العصافير وليس الصقور، ولكن العصافير لا تجذب الحشود. ان غرض معظم هذه التخليقات ليس الحفاظ على الطبيعة، فالطيور ستعود على اية حال في وقت ما مع افتراض كون الطبيعة المحيطة مناسبة لها (ولكنها ليست كذلك). ولكن أسباب هذه التخليقات مختلفة تماما، بعضها للرأفة بهذه الأنواع وبعضها لدواع شريرة. ان اعادة تخليق الحيوانات والطيور الساحرة تجعل جميع المهتمين بهذا الأمر يشعرون بالراحة سواء كانوا ممولين للمشروع أو مؤسسات خيرية ترعى الحياة البرية أو من محبي مشاهدة الطيور أو أصحاب النزل أو حتى السياسيين. في التقرير الذي كتبه مايكل هستلين فإن الانجاز الذي يفخر به اكثر من اي شيء آخر خلال فترة عمله سكرتير الدولة للبيئة هو اعادة تخليق نسر البحر، وليس كسر قاعدة الحياة البرية والريف، وهو يقول «اننا نسعد بملء أريافنا بحيواتنا المفضلة».
وأقول الحيوانات وليس الحيوانات البرية لأنني أعتقد بأن ذلك الجسر تم عبوره. يبدو لي أن تخليق الحيوانات أصبح ملكية. صقور روتلاند يمكن أن تسلك سلوك الطيور البرية نفسه، ويبدو انها ستنفذ بجلدها ولكنها ستظل من انتاجنا وقد أنتجت لغرض معين ولمكان محدد، كما انها جزء من تصميمنا الرائع وليست من تصميم الطبيعة. يعتبر العصفور الودود الذي يدخل حدائقنا لينتهز الفرص، اكثر برية من اعنف نسر مخلق، كما ان الصقور التي تعود الى مياه روتلاند كل عام ليس لديها خيار آخر في هذا الأمر، وبمعرفة سلوك الصقور يمكننا الاستفادة منها لتصبح طيورا ذات فائدة اي انها تتحول الى ملكية خاصة، ولأنها تنفع في زيادة الدخل، ثلاثة جنيهات استرلينية لكل جولة مع مرشد، بالاضافة الى كلفة موقف السيارة واي مبالغ أخرى يمكن ان يرغب المعجبين بالصقور في انفاقها، فإنها تمثل سلعة أيضا.
اعتقد ان التركيز الحالي على هذه الأنواع في مقابل النشاط الأقل اثارة والاقل ارضاء للزبون من جانب ادارة هذه المواطن الحيوانية، هي امور غير صحية، لأنها تتضمن الكثير من القرارات من جانب القائمين على المشروع بينما لا يترك الكثير من هذه القرارات إلى القوى الطبيعية. التدخل يميل الى ان يفرض علينا من قبل نظام الأهداف الكوني، إذ يجب انقاذ الكثير من الحيوانات والنباتات البرية في اطار زمني محدد. اننا نستولي بتغطرس على الكثير مما لا يحق لنا أخذه، وقد دفعنا ثمنا غاليا عبر التاريخ لعدم احترامنا للطبيعة البرية. ان انقضاض الصقور على مياه روتلاند لابهاج الجميع لا يمثل اشارة على تقربنا من عالم الطبيعة بل علامة على زيادة بعدنا عنه. اننا نصنع حديقة على الأرض ونطلق عليها طبيعة، في حين ان هذا الامر يجعل من الصعب الحصول على طبيعة حقة
