أنت في السويد، في بلدة مورا بالتحديد، والثلوج تراكمت. وإذا اقترح أحدهم التزلج على «الحلبة» فيستحسن أن تأخذ غذاءك معك فطول هذه الرحلة - المغامرة 15 ميلا.
والحلبة هذه هي ممر محفور في الثلوج المتراكمة على جليد بحيرة (أورسا) على حافة البلدة، وهي أحد أبرز الأماكن التي يقصدها عشاق الطراز السويدي للتزلج الذي بدأ يجتذب الاجانب.
اسم هذه الرياضة باللغة السويدية يتألف من 25 حرفا ويصعب لفظة على الغرباء ولكن يكفي الأجنبي أن يقول «التزلج السويدي» أو النورسي (الاسكاندينافي) وهو يتطلب الكثير من الرشاقة والمتانة البدنية، والبعض من الذين يمتلكون الميزتين معا يقطعون ما يزيد على 60 ميلا في اليوم.
ولا يتضمن التزلج السويدي الدوران على رؤوس أصابع القدمين أو الدوران ثلاث مرات في الهواء، كما إنه لا يتطلب حركات عدوانية مثلما يلزم في لعبة الهوكي. انه بالأحرى أشبه بالتأمل المتحرك، أي التزحلق بصمت شبه تام وكأنك مدفوع بشراع ساعات طويلة مرورا وسط غابات الصنوبر.
وعلى رغم الطبيعة الوادعة لهذا النوع من التزلج فإن المزالج هي أقرب إلى سلاح فتاك: نصال بطول 65 سم مثبتة على أحذية التزلج. وبالنظر إلى أن المزالج ممدودة إلى الامام فان المتزلج لا يستطيع أن يرفع قدميه ليقفز على أصابعهما كما في التزحلق الفني على الجليد ولعبة الهوكي، والممارس لأول مرة يشعر وكأنه ينتعل أحذية المهرجين.
ويتضايق المتزلج لأول مرة أيضا من كون النصال مسطحة بخلاف زلاجات الهوكي وزلاجات التزلج الفني المنحنية، ولذلك أفضل طريقة للتوازن هي الانحناء إلى الوراء قليلا على الكعبين - على رغم أن الغريزة تدفع المتزلج إلى الانحناء إلى الأمام.
غير أن هذه النواحي غير المألوفة يمكن إتقانها بعد ساعتين من التعثر والحركات غير الرشيقة، فيرخي المتزلج ذراعيه ويرفع رأسه ليستمتع بالمناظر البانورامية المهدئة. وعادة يعقد المتزلجون المهرة أيديهم وراء ظهورهم وهم يبدون من بعيد أشبه بمجموعة منطلقة من الفلاسفة المتأملين.
ولعل الصيغة الأخرى هي أكثر دقة: السويد مكان مثالي للتزلج، ليس فقط لأن فصل الشتاء طويل جدا بل لأن هناك كمية هائلة من الماء ينبغي أن تتجمد.
إن 9 في المئة من مساحة السويد تغطيها المياه. وهناك شبكات من الأنهر والبحيرات تتوزع على أراضي السويد أشبه بعروق سوداء في الرخام، وهي في الشتاء تنتج ما يسمى «الجليد الأسود» حلم كل المتزلجين. فعندما تحمل الرياح العاتية الثلوج بعيدا تكون البقعة الجليدية تحتها كثيفة إلى درجة أنها تمتص الضوء.
هذه الظاهرة طالما يتوق إليها الهولنديون الذين يشكلون أمة من المتزلجين المحبطين بسبب سلسلة متلاحقة من فصول الشتاء الدافئة. وقد بدأ هواة التزلج الهولنديون يأتون بالقوافل إلى السويد في كل فصل شتاء ليعيشوا أحلامهم وتخيلاتهم الروائية. والحقيقة أن «بطولة الماراثون الهولندي» تقام على بحيرة (اورسا) هذه السنة.
ويأتي الهولنديون للمشاركة في مناسبات التزلج الجماعية التي تقام في شهر فبراير/ شباط ويشارك فيها حوالي أربعة آلاف شخص وتكفل هذه المناسبات دراسة التباين والاختلاف عند المتزلجين، فالهولنديون يأتون بالبذلات وأحذية التزلج الأنيقة ويحاولون الوصول من نقطة إلى أخرى بأسرع ما يمكن. أما السويديون، على رغم أن الطريقة الهولندية أغوت البعض منهم، فيفضلون الملابس الأكثر خشونة ويرتدون معاطف تجعلهم يبدون أشبه بدببة عملاقة. كما أنهم يميلون إلى قطع المسافات على مراحل.
وفي حين ينطلق الهولنديون كالبرق وبشكل متواصل، تتميز رحلات السويديين على الجليد بالتمهل والتوقف لتناول الطعام. والبعض يصطحب الكلاب بل والأطفال في عربات الثلج. ويبدو أن التمظهر يتنافى مع النفسية السويدية