أين صدام حسين؟ أين رجالاته؟ أين رموز النظام الذي انهار من دون مقاومة؟ ما مصير العراق؟ كيف ينظر العرب إلى الهزيمة؟ كلها أسئلة كانت معرض اهتمام تعليقات وسائل الإعلام الألمانية التي لا تقف عادة موقفا محايدا حين يتعلق الأمر بالعالم العربي وتنحاز للولايات المتحدة و«إسرائيل» طبعا، لكن ينبغي التعرف على الرأي الآخر من خلال تعليقات مجموعة من الصحف الألمانية الصادرة في مختلف المناطق.
صحيفة «دير تاجيس شبيجل» الصادرة في برلين تقول: منذ البداية دفع الرئيس بوش بالكثير من القوات العسكرية ذات القدرات القتالية العالية ليرجح كفة الحلفاء إلى كسب حرب كان لابد من كسبها بأي ثمن، ولكن السؤال: أين اختفى أولئك الأشخاص الذين كانوا يقفون إلى جانب صدام حسين؟ وهم الذين كان يعول عليهم الدفاع عن النظام وعن صدام. ولماذا تم احتلال العاصمة الكبيرة بغداد من دون مقاومة تذكر في الوقت الذي قاومت فيه مدة أسبوعين قرية صغيرة هي أم قصر التي كان يستخدمها النظام لعمليات تهريب النفط إلى الخارج؟ لابد من أن يستفيد الأميركيون من النصر السهل للمباشرة في عملية إعادة تأهيل قوى الأمن لضمان الأمن الداخلي ومنع انتشار الفوضى.
صحيفة «زود دويتشه» الصادرة في ميونيخ تقول: فجأة تلاشى كل شيء، كل التوقعات والتحليلات التي خرج بها المحللون طيلة 21 يوما ذهبت سدى، لا بل ان كل التهديدات التي كان يطلقها وزير الإعلام محمد سعيد الصحاف من أن الأميركيين غاصوا في المستنقع وأنهم لن يخرجوا منه أحياء، أو التقارير التي كان يبثها التلفزيون العراقي الرسمي عن انتصارات على الحلفاء وكذلك الموالين لصدام الذين كانوا يجوبون شوارع بغداد متحدين أي إنزال قد يقوم به الأميركيون، كل ذلك اختفى واندثر.
صحيفة «فرانكفورتر روند شاو» الصادرة في مدينة فرانكفورت تقول: إن الزحف على بغداد وأوهام المعارك الشرسة تلاشت في وضح النهار وأمام عدسات المصورين. إن ثمن انتصار الحلفاء دفعه العراقيون من معاناة ودمار لحق بهم وببلدهم.
صحيفة «دي فيلت» الصادرة في برلين تقول: ستدخل هذه الصور ذاكرة التاريخ الذي سيخلدها رمزا من رموز شعب قهر الظلم والدكتاتورية. إنها تذكر تلك الحوادث المثيرة التي حصلت العام 1989 في برلين ووارسو وبراغ حينما هرع الناس إلى الشوارع فرحين لحصولهم على الحرية بعد عقود من القهر. كل بغداد تقف على قدميها مجددا بعد نهاية عهد دكتاتوري وكلها أمل في مستقبل ديمقراطي وحياة أفضل.
صحيفة «زود دويتشه» الصادرة في مدينة ميونيخ تقول: سقط نظام صدام حسين لكن الغزاة لم يتوصلوا بعد إلى الدكتاتور. لهذا السبب تنشط وحدات خاصة وعملاء الاستخبارات في تمشيط بغداد بحثا عن الرجل الذي ساهمت دعاية بوش في وضعه في مستوى واحد مع هتلر. وفقا لأقوال القائد العسكري الأميركي ريتشارد مايرز: سنبحث عنهم أينما كانوا. قد يكون صدام وأتباعه فروا إلى تكريت أو أنهم مازالوا في بغداد أو عبروا الحدود إلى سورية أو فروا إلى موسكو أو طمرهم حطام الحرب. قد يطول زمن البحث عن صدام مثلما طال البحث عن أسامة بن لادن. مرة أخرى تبحث الولايات المتحدة عن شبح. وقد ينشأ عن فشلها في القبض على صدام أن يبرز في العالم العربي والإسلامي رمز جديد. لا تريد القوة العظمى الإقرار بنهاية الحرب قبل إلقاء القبض على صدام وهذا هاجس المسئولين في واشنطن وأهم من الانتصار العسكري الذي حققوه. الاحتمالات موجودة على الطاولة: إما أن يكون صدام مختبئا في العراق كيلا ينشأ شعور بأنه ترك شعبه يواجه مصيرا مجهولا، أو أنه لجأ إلى السفارة الروسية وهذا ما تنفيه موسكو بشدة أو أنه قد فر عبر الحدود إلى سورية. ولكن مجرد التكهن بأن صدام غيَّر من ملامحه ولايزال متواريا عن الأنظار لا يناسب زعيما كبيرا كان يرى نفسه خليفة صلاح الدين.
صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» الصادرة في فرانكفورت تقول: الانهيار السريع المفاجئ لنظام صدام حسين ألحق صدمة جديدة بالعالم العربي. كما حصل العام 1798 عندما لحقت هزيمة سريعة بجيش شرقي أمام جحافل نابليون بونابرت. آنذاك كانت قدرات المهاجمين أكبر مثل هذه المرة إذ اضطر الجيش العراقي إلى الركوع بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع الحرب. سيتولى خليفة (مسيحي) السلطة في بغداد حتى إشعار آخر وهذا أمر يرفضه المسلمون، وعلى رغم مشاعر التعبير عن الفرح بسقوط نظام صدام فإن هذا لن يغيّر الشعور بأن الانتصار الأميركي البريطاني إهانة جديدة للعالم الإسلامي. لكن بالكاد هناك من ذرف دمعة واحدة على صدام. في شوارع القاهرة ومقاهيها تساءل كثيرون لماذا استسلمت بغداد من دون مقاومة. يرفض العرب السياسة الأميركية لكنهم ينظرون بإعجاب إلى قوتها العسكرية. كثيرون في العالم العربي يؤيدون الرأي القائل: لا ينبغي أن تستمر الأمور على وضعها الحالي. غالبية الأنظمة، استبدادية، وتعيش الشعوب العربية في خوف دائم، والتطرف الإسلامي هو الوسيلة الوحيدة للمقاومة. ليس هناك أوجه معارضة أخرى. إن خطة بناء عراق جديد ستظهر للعرب إذا كان العراق بداية تغيير إيجابي في المنطقة أو حلقة جديدة من الهزائم التي منيت بها الأمة العربية. ستتغير أمور كثيرة في العراق لكن الشكوك تحوم حول احتمال قيام دولة ديمقراطية على النمط الغربي. المؤكد أن الوضع لن يعود إلى الوراء... ستحصل تغييرات في دول الجوار فقط في حال نجاح التجربة العراقية، ويعتمد هذا كثيرا على تصرفات التحالف المنتصر. لا ينبغي الوقوع في خطأ التصرف كقوى استعمارية وإنما التعاون على بناء العراق مع الأمم المتحدة. لقد أدرك رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير هذه الضرورة بحكم خبرة بلده في العالم العربي. ليس الاستسلام لضبط النفس مسألة سهلة بالنسبة إلى كثير من الدول المتنافسة على تحقيق مصالحها الاقتصادية في العراق.
يجب التنبه إلى ضرورة العمل من أجل حل نزاع الشرق الأوسط. مازال كثير من العرب يتهمون الولايات المتحدة بممارسة سياسة المعيارين تجاه المنطقة. هناك فرصة بعد زوال نظام صدام أن تعمل الولايات المتحدة من أجل حل المشكلة الفلسطينية. إنها مهمة صعبة أمام بوش لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون ليس حمامة سلام، كما لحق ضعف بموقف الفلسطينيين نتيجة العنف الذي لم يقف حائلا أمام سقوط صدام.
هذا ما قالته الصحف الالمانية تعليقا على حرب احدثت هزيمة من دون مقاومة. والسؤال: ماذا نقول عن العراق وما بعده؟
العدد 222 - الثلثاء 15 أبريل 2003م الموافق 12 صفر 1424هـ