العدد 222 - الثلثاء 15 أبريل 2003م الموافق 12 صفر 1424هـ

حفنة مجانين

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد ان دخل الرئيس الاميركي جورج بوش «جوقة» التحريض السياسي ضد سورية تكون جدية التحذيرات بلغت درجة الخطورة. بدأت الحملة بإشارات وتلميحات من وزراء ونواب وزراء من دائرتي الخارجية والدفاع ثم انتقلت إلى اعضاء. موالين للكيان الاسرائيلي وبعد ذلك إلى لجان واخيرا وصلت إلى الرئيس. والرئيس كان الاوضح واحيانا الاعنف مستفيدا من ضعف النظام الدولي وتراجع الأمم المتحدة عن اداء دورها ونجاحه العسكري في العراق واستيلاء قواته عليه وامكان استخدامه مهبطا لطيرانه ضد دول المحيط الجغرافي.

هناك حالات جنون وهذيان تضرب واشنطن. وحفنة الاشرار التي تسيطر على البنتاغون تقود الولايات المتحدة نحو المزيد من التصعيد ليس ضد العرب والعالم الاسلامي فقط وإنما ضد منظومة علاقات دولية باتت في حال وجوم وصدمة تعرف ماذا تريد ولا تستطيع ان تفعل شيئا مما تريد.

العالم اذن في حال حصار وليست الدول العربية وحدها. والجنون (الاستكبار) الذي يسيطر على إدارة البيت الابيض ويقودها نحو افتعال الازمات لتبرير الحروب او فرض الشروط على الدول من دون ادلة سيتحول إلى نوع من الكارثة السياسية التي لا تقتصر اضرارها على صنف معين بل ستشمل مفاعليها مختلف الدول والجماعات.

ما يحصل في واشنطن يفوق التصور ولا يمكن ضبطه في معادلة محددة... كذلك لا يمكن تفسيره إلا بفكرة واحدة وهي ان هناك حفنة من المجانين باتت تسيطر على ترسانة عسكرية تستطيع من خلال استخدامها فعل ما تريده من دون رقيب او حسيب أو حد ادنى من الضوابط الاخلاقية والقانونية.

«اسرائيل» إقليميا هي المستفيد الأول، وربما الوحيد، من زعزعة النظام العربي ودول المحيط إلا انها على رغم استفادتها فإننا لا نستطيع ان نفسر كل ما يحصل بأنه مجرد تلبية لحاجات صهيونية في المنطقة العربية - الاسلامية. ما يحصل هو اكبر من «اسرائيل» ومن قدرة هذه الدولة على فهمه او ما تطمح اليه. المشروع الاميركي المعبر عنه باستراتيجية الحروب الدائمة (الضربة الوقائية او الاستباقية) هو اضخم من قدرات «اسرائيل» على استيعابه وتحمل نتائجه وتبعاته... وهو في النهاية مشروع اميركي هجومي يقوم على نظرية التصادم المستمر تحت وطأة افكار «المحافظين الجدد» ونزعة السيطرة على العالم بذريعة ان الولايات المتحدة دولة مختارة ورئيسها الغبي وقعت عليه المصادفة (الاشارات) للقيام بهذا الدور الرسالي لانقاذ البشرية من اشياء لا يعرف إلا «الخاصة» ما هي وعلى «العامة» دفع ثمنها ظلما وموتا حتى تتحقق.

انه الجنون وعلى الدول العربية القريبة والبعيدة ان تكون حذرة من خطورة هذه الهجمة التي لن تقتصر على دول معينة، بل هي قد تدفع العلاقات الدولية نحو المزيد من التأزم في وقت عجزت فيه الدول الكبرى، أو على الاقل الدول المعارضة لنظرية «الحروب الدائمة»، ان تتفق على حد ادنى من الصمود السياسي الذي يحد من جموع طائفة من المجانين.

ماذا فعلت سورية حتى تقوم عليها قيامة هذه الحفنة من الاشرار؟ ما فعلته هو الحد الادنى السياسي والانساني لمساعدة دولة عربية تعرضت لاجتياح عسكري من دون اي دليل وضد القانون الدولي وعلى رغم انف العالم. سورية التزمت بالمواثيق الدولية والاعراف الدبلوماسية ولم تتجاوز الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة ودول مجلس الأمن.

اميركا هي التي خالفت وهي التي يجب ان تحاسب وتتعرض للمساءلة والمحاكمة. وما فعلته بالضد من العالم هو الذي كسر إرادة الدول المجتمعة في الأمم المتحدة وليست الدول التي التزمت بالاعراف والقوانين والمواثيق الدولية. و«قانون محاسبة سورية» يجب ان يكون قانون محاسبة اميركا على جرائمها واحتلالها الدول من دون تشريع وعدل وذريعة. إلا ان المشكلة مع نظام عالمي متخثر ومنهار تتضاعف بوجود حفنة من الأشرار والمجانين في واشنطن لا ترضى بسياستها وأفعالها في العالم سوى حفنة من المتعصبين في «اسرائيل».

المسألة خطرة اذن وخطورتها ليست سياسية. فالموضوع تعدى العدالة و«الحروب العادلة»... انه مجرد عدوان عالمي جديد ليس على الدول العربية فقط وانما ضد مصالح العالم وحاضره ومستقبله. وكلام بوش وجوقته الايديولوجية ضد سورية يؤشر على ان الاحتلال الاميركي لدولة العراق ليس نهاية الحرب والمحطة الاخيرة بل هو بداية... مجرد بداية لابد لها من نهاية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 222 - الثلثاء 15 أبريل 2003م الموافق 12 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً