سألني عدد من الأشخاص أسئلة كثيرة عن قانون الصحافة والنشر، ولماذا طبق هذا القانون على صحيفة «الوسط» أكثر من مرة، ولماذا تمت جرجرتي مع أكثر من صحافي يعمل في «الوسط» إلى الادعاء العام، وثم إلى النيابة العامة (عندما تغير اسمها) وتم تعريضنا نصف يوم (في كل مرة) للتحقيق والإهانة. هذا التحقيق الذي لا يختلف كثيرا عما كانت تقوم به المخابرات أيام قانون أمن الدولة، والذي يبدأ بالجواب على أسئلة تافهة، مثل (ما اسمك؟ ما وظيفتك؟، ما عنوانك؟)، وثم يطلب منك أن توقع عشرات الأوراق المملوءة «بالإفادات» التي أعدت وكتبت بأسلوب مماثل لما كان عليه الوضع أيام قانون أمن الدولة...
وصلتني عدة رسائل تسأل: لماذا لم أختر دخول السجن لمدة شهر واحد، ودفعت كفالة عني وعن أحد صحافيي «الوسط» مقدارها 2000 دينار، لماذا لم أختر السجن لكي تتوضح الأمور وتنكشف أساليب وزارة الإعلام التي جرجرت «الوسط»، من دون غيرها إلى النيابة العامة أكثر من مرة واحدة عقابا لها، لأنها قادت حملة وطنية ضد هذا القانون الجائر؟
ربما أشعر حاليا ببعض الأسف لأنني لم أختر الذهاب إلى السجن (بانتظار المحاكمة)، بعد أن اختارت وزارة الإعلام نهجا انتقائيا واضحا ضد «الوسط» لمعاقبتها لعدة أسباب واضحة للجميع.
ولكني قبل أسبوعين، في آخر مرة تمت فيها جرجرتي مع أحد الصحافيين، لم أكن على علم بالمستوى الذي تتعامل به وزارة الإعلام مع من يحاول مساندة الإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد. لذلك لم أكن قد استعددت للآثار على سير العمل، إضافة إلى أنني في ذلك اليوم كنت على موعد لتناول وجبة غداء مع والدتي. وعندما اتصلت بها أخبرها بأنني ذاهب إلى السجن ذلك اليوم، وانني لن أحضر لوجبة الغداء معها، كان ردها واضحا ومباشرا «الذي حصل لوالدك يكفي، ادفع إليهم ما يريدون، والمشتكى إلى الله».
غير أنني ومنذ ذلك اليوم أشعر بكثير من الألم، فهذه هي المرة الثانية التي يطبق فيها القانون ضدي، القانون الذي وقفت بشدة ضد تطبيقه ووعد سمو رئيس الوزراء بتعديله، بل إنني أحد أعضاء لجنة (ربما انها وهمية) لتعديل هذا القانون الجائر. وفي هذه الأثناء بالذات يذهب موظفون تابعون لوزارة الإعلام، ليسجلوا القضية تلو الأخرى ضدي، وتتم جرجرتي للتحقيق معي، تماما كما يتم التحقيق مع شخص سرق مصرفا أو اعتدى على المال العام. وعلى رغم اننا بحاجة إلى التحقيق مع الذين يعتدون على المال العام في وضح النهار، فإن هؤلاء سالمون غانمون، أما من يساند الإصلاح ويتحمل الكثير لمساندة مسيرة الإصلاح، فإنه يطبق عليه القانون نفسه الذي وعدت القيادة السياسية بتجميده وتعديله.
هذا القانون طبق ضدي أكثر من مرة واحدة، وربما هذا يؤهلني لإدخال اسمي في سجلات «غينيس» التي تحصي الأرقام القياسية لمختلف مجريات حياة الناس في هذا العالم...
الألم يعتصرني لأنني أشاهد بأم عيني كيف يتملص الذي يطبق القانون ضدي بأسلوب انتقائي وانتقامي من الأمر، وفي كل مرة يقول: «ليس لي دور في ذلك»، على رغم انني أرى بأم عيني أوراقا موقعة بواسطة أحد موظفي الإعلام مسجلة ضدي...
الألم يعتصرني لأنني عملت بإخلاص وبذلت كل ما لدي من أجل بدء صفحة جديدة بعيدة عن مخلفات الماضي، ولكني أفاجأ بأن هناك من لديه استعداد لاستخدام كل وسائل الماضي، وبأساليب ملتوية، ضد أي شخص يحاول مساندة الإصلاح الحقيقي.
الألم يعتصرني لأنني ألاقي معاملة سيئة جدا في عصر انفتاحي، أملت كما أمل غيري أن يكون فاتحة عصر جديد من الحريات العامة، وبعيدا عن الاستغلال السيئ للسلطة والتطبيق الانتقائي والانتقامي للقانون.
الألم يعتصرني لأنني بذلت كل ما في وسعي لإقناع الآخرين بضرورة مساندة أية خطوة إصلاحية مهما كانت صغيرة، لأنها بداية الطريق، وإذا بوزارة الإعلام تتسلط عليّ باسم القانون الذي عارضته وعارضه جميع الصحافيين... هذا القانون الذي لم يطبق على أحد غيري.
أستطيع أن أفهم ان هناك من يريد توجيه رسالة عملية لي بأنني أدفع ضريبة تصدري معارضة ذلك القانون الجائر، ولكنني ـ أقولها للتاريخ ـ لم أتوقع الشراسة التي يحاول البعض استخدامها ضد من يخالفه الرأي.
على أن كل هذا الألم بدأ يتحول إلى عزيمة وإصرار، لأنني لم أخطئ فيما عملت عندما دعوت إلى مساندة الإصلاح، وعندما تحملت الانتقادات من جماهير الاتجاه الذي كان يقود الساحة، وكنت أتحدث باسمه. ذلك لأن ما حدث لي رسالة تأكيدية لضميري بأنني كنت ومازلت ـ وإن شاء الله أبقى كذلك مدى حياتي ـ مخلصا لأمتي ولبلدي، وانني على استعداد لدفع ضريبة خدمتي وإخلاصي لشعبي. فلو كنت أبحث عن غير خدمة الناس لكانت الدنيا مفتوحة أمامي ـ كما هي مفتوحة أمام غيري ـ من دون متاعب.
أحمد الله على نعمه الدائمة، وأسأله أن يوفقني للاستمرار في معارضة قانون الصحافة والنشر الجائر حتى لو كان نصيبي ما يلوح به البعض، لأنني لم أختر لحياتي سوى رضا الضمير، وأشعر بارتياح لأنني ابن وطني وابن شعب ناضَلَ من أجل حريته وكرامته، ولأنني عازم على الاستمرار في الإخلاص لكل الأهداف النبيلة التي ناضل من أجلها شرفاء البحرين ماضيا وحاضرا، وإن شاء الله مستقبلا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 222 - الثلثاء 15 أبريل 2003م الموافق 12 صفر 1424هـ