لستُ من انصار نظام صدام، ولكن من خلال القراءة في تجارب التغيير للانظمة العربية والاسلامية ربما يأتي يوم يندم فيه المواطن العراقي البسيط على تهليله لسقوط النظام الدكتاتوري.
لماذا؟ لأن غدا سيحل صدام آخر في شكل فردي او جماعي، ويجثم على صدر المواطن العادي ليظل هذا الاخير قابعا في فقره لا يتغير حاله كثيرا، مثله مثل الكثير من المواطنين «الغلابى» في العالم العربي... التغيير الوحيد في وضعه هو ذهابه مخدوعا إلى مراكز الاقتراع ليتسبب بصوته في مزيد من حكم البيروقراطية.
ما دعاني إلى هذا التشاؤم ما نشاهده من حال فوضى وسلب للممتلكات العامة من متاحف وجامعات ومصارف ووزارات وسفارات وما إلى ذلك منذ ان حل «التحرير... التحوير» بالعراق.
«التحرير» المزعوم كان بحد ذاته كارثة على الشعب العراقي الذي نهبت أمواله العامة، حتى ملفات الامم المتحدة متمثلة في «مكتب اليونسيف» والتي تحتوي على معدلات الوفيات بين الحوامل والاطفال لم تنجُ من الكارثة.
التحرير له معانٍ شتى في ذهنية المواطن العربي المخدوع في العراق فهو يعني فوضى الديمقراطية، وفوضى الخلافات، وفوضى الضغائن الديمقراطية على النمط الغربي التي فشل تطبيقها في العالم العربي... اذ من المستحيل ان يقوم بلد عربي لكثرة الاحزاب والطوائف التي يقوم كل منها على مبدأ التخلص من الآخر. وحتى عندما يتولى ذلك الحزب الحكم فإنه يسعى إلى تكريس مصالح اتباعه لا إلى خدمة الوطن والمواطنين جميعا... ومن ثم نسمع عن الفساد السياسي، وسحب الثقة عن الحكومة والاغتيالات السياسية وهلمّ جرّا.
أما الخلافات فهي طائفية دينية او عرقية او ايديولوجية. فعلى سبيل المثال في عراق المستقبل هناك اكراد في الشمال يكرهون العرب ويضغطون من اجل نزوحهم وتهجيرهم نحو الجنوب. وطوائف دينية في الجنوب والوسط ترى احقية استئثارها بنصيب الاسد مادام الامر سيؤول إلى الديمقراطية النسبية إذ لا يختلف اثنان بشأن ثقلها الجماهيري.
أما الطامة الكبرى فتتمثل في وضع اميركا يدها على النفط العراقي... إذ استحوذت على عقود التطوير واعادة بناء المنشآت النفطية العراقية شركات اميركية ترأسها عصابة الصقور من جنرالات الجيش الاميركي السابقين والمقاتلين القدامى في فيتنام الذين تقوم خطتهم على نهب الذهب الاسود والكنوز الاخرى من دون علم اصحابها كما فعلوا بدولة عربية معروفة.
ان الذين هللوا لسقوط النظام من الدول العربية ستتحول اهمية بلادهم الاستراتيجية إلى العراق ومن ثم تصبح دولهم ثانوية في رأي اميركا... وطبعا لا يعني ذلك عدم وجود فوائد جمة لسقوط نظام صدام ولكن المواطن العراقي الكادح ليس معنيا بها
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 221 - الإثنين 14 أبريل 2003م الموافق 11 صفر 1424هـ