العدد 221 - الإثنين 14 أبريل 2003م الموافق 11 صفر 1424هـ

موديلياني، الملاك ذو الوجه الوقور

تجاوزا لفكرة الفنان الملعون

باريس - كلودين كانتي 

تحديث: 12 مايو 2017

توفي في الخامسة والثلاثين من العمر بتاريخ 24 يناير/كانون الثاني 1920، لكنه ظل على جماله القاتم. بعد ساعات من وفاته، قامت جان، شريكة عمره (22 عاما)، والحامل لابنهما الثاني بإلقاء نفسها من نافذة الطابق الخامس.

عاش اميديو موديلياني في البؤس لكنه دفن كأمير. ودخل تاريخ الفن باعتباره نموذجا للفنان الملعون، بحيث ان الاسطورة دثرت أحيانا عمل هذا العبقري المصعوق.

يقام معرض في متحف لكسمبورغ في باريس تكريما له، ويتدافع جمهور غفير للتعرف على حوالي مئة لوحة، أكثر من ثلثها لم يعرض أبدا في فرنسا، وحوالي عشرين لوحة خرجت من مجموعات خاصة تعرض للمرة الأولى. كما هناك سلسلة نادرة من الرسوم ومجموعة فريدة من التماثيل النسائية (كريتيد) في مشروع غريب تحت عنوان «معبد اللذة»، لم ينتهِ منه، تجعل من هذا المعرض الاستعادي الذي ينظم للمرة الأولى في فرنسا منذ عشرين عاما أهم معرض يكرس لهذا العبقري «الملعون» ويكشف أشياء كثيرة. يحتوي المعرض على ربع أعمال «مودي» التي تعرض للمرة الأولى.

سبق هذه التظاهرة أعمال بحوث مهمة صدرت في «كاتالوغ» باللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية (منشورات سيكرا). ولقد أراد مفوض المعرض مارك رستيلليني أخيرا أن يعطي ولموديلياني «بعده الحقيقي، أي بعد فنان طليعي، في خط ديران وماتيس وبيكاسو، حمل غالبا الاهتمامات ذاتها والنوايا الفنية والذهنية، لكنه قصد أن يظل خارج الدوائر والمسيرات والمجموعات التي شكلت الطلائع الأخرى (...) فمن الآن وصاعدا لن يكون محرم اعتبار موديلياني فنانا من الدرجة الأولى على غرار ماتيس وبيكاسو».

استعار المعرض عنوانا من البطاقة البريدية التي أرسلها موديلياني في 6 مايو/آيار 1913، وكان مريضا ومدركا انه على شفير الموت، إلى صديق والمحسن إليه بول الكسندر الذي لم يره أبدا فيما بعد، وهي عبارة «السعادة ملاك ذو وجه وقور» ووقع: «الناهض من بين الأموات».

ولد أميديو موديلياني الملقب بـ «ديدو»، العام 1884 في مدينة ليفورنو في إيطاليا، وصفته أمه: «غنوجا إلى حد ما وصاحب أهواء لكنه جميل كالبدر». كان يمضي اوقاتا طويلة مع جده لأمه إسحق غارسان، مثقف كبير كلم عن الفلسفة والفن. اصيب في الـ 11 من العمر بداء الجنب، وفي الـ 14 بحمى التيفوئيد وفي الـ 16 بالسل. العام 1889 ترك نهائيا المدرسة وانكب على الرسم. خلال رحلة النقاهة برفقة والدته العام 1901 إلى نابولي وكابري وأمالفي وروما وفلورنسا والبندقية زارا المتاحف والغاليرهات والكنائس سويا، ثم أقام في روما وبدأ يعد نسخا في المتاحف ومن ثم ذهب إلى فلورنسا.

وصل إلى باريس العام 1906، إذ قام في البداية في حي مونمارتر بجوار «المركب المغسل»، حيث كان يعمل بيكاسو، وبعد سنوات ثلاث انتقل إلى مونبارناس، الحي الباريسي الآخر الذي استهوى الفنانين. عاش دائما في البؤس، وأحيانا جائعا كملعون. تمنى أن يكون نحاتا، وخصوصا بعد لقائه العام 1909، بواسطة صديقه بول الكسندر، النحات الروماني كونستانتان برانكوزي الذي أصبح صديقه وقدم إليه النصائح. وحلم بالنحت لكن القوة الجسدية خانته، لأن صقل الحجر والصلصال مرهق لصحته الضعيفة. وهذه واحدة من المآسي في عمره الذي عرف خلاله الكثير منها. خلف حوالي 20 منحوتة، منها تماثيل للكهنوت ورؤوسا منقاة كما في الفن الزنجي أو الاصنام البدائية. ليس في المعرض سوى رأس امرأة.

العام 1913 اضطر «مودي» إلى التخلي عن النحت لينكب على الرسم «اهتم بالكائن البشري، وجهه هو إبداع الطبيعة السامي، واستعمله من دون ملل». ولهذا ليست هناك مناظر طبيعية، فقط اربع لوحات، إنما مجموعة كبيرة من البورتريهات التي صنعت مجده، وعراة في غاية الجمال اعتبرت مشينة خلال المعرض الشخصي الاول العام 1917.

يعتبر المعرض الذي يضمها في باريس كتابا مصورا لفان مونبارناس الغجري الشهير، مع غالبية ممثلي مدرسة باريس الذين قدموا من خارج فرنسا، وهم اصدقاء موديلياني او رفاق البؤس الذين رسم وجوههم مثل الليتوانيين شام سوتين (اعز اصدقائه) وبنشوس كريماني، والاسباني بابلو بيكاسو والبرتغالي جوزي باشكو والبولوني مويز كيسلنغ والمكسيكي ديغو ريفيرا، كما هناك الشعراء ماكس جاكوب وجان كوكتو وبيير ريفردي، وهواة اعمال موديلياني مثل روجيه ديتيول. جمعت هذه الوجوه للمرة الاولى مع بورتريهات المحسنين وباعة اللوحات مثل بول الكسندر اول محسن له والذي جمع الكثير من رسوم موديلياني. وليوبولد زبورفسكي، الشاعر البولوني وبائع الرسوم الذي قام بجمع التبرعات في حي مونبارناس لتنظيم «جنازة أمير» للرسام، وايضا بول غيّوم.

ونجد في مختلف البورتريهات التي رسمها خصائص ومميزات موديلياني: عدم التوازن، اعناق متطاولة، رؤوس محنية على الجانب، جلسة وجها لوجه، مبالغة في الانف، غياب البؤبؤ من العيون المقفلة غالبا او المخرطشة، واحيانا عين مفتوحة واخرى مقفلة. وآخر اعماله بورتريه ذاتية مؤثرة جدا (جانبية، وهذه حال نادرة) وكانت هذه وصيته الحقيقية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً