عند قراءة عبارة عميد إحدى كليات جامعة هارفارد الأميركية: «قوة الامبراطورية الأميركية مؤهلة للاستمرار لقرن آخر»، يتبادر إلى الذهن موقف هتلر. فهذا الخبز من ذاك العجين.
كان الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر قد جاء إلى الحكم على إثر انتخابات «ديمقراطية»، وجيّش الشعب الألماني وراءه وساقه إلى ميادين القتال، فشرّق به وغرّب، حتى ابتلع جزءا كبيرا من دول أوروبا واكتسح مساحات واسعة من روسيا وقضم بعض أطراف افريقيا. وفي فترة من فترات النشوة والغرور وقف متباهيا ليقول: «أما الآن فسيدوم الرايخ الثالث (الامبراطورية) ألفي عام»!
ولم تمض غير بضعة أعوام على ذلك التصريح «الفرعوني» حتى ارتدت عليه الكرّة فأخذ اعداؤه بمحاصرته في عقر داره بعد أن تعرض للضربات والانتكاسات العسكرية، وانتهى به الأمر إلى الانتحار في ظرف غامض، لم يحقق له التاريخ موضعا لقبر، ولا ساعة أو طريقة وفاة. وقيل فيما قيل انه أمر حارسه الشخصي بعد أن ينتحر بحرق جثته لئلا يظفر أعداؤه على أثر من آثاره. إذا هكذا كانت نهاية «الزعيم العظيم هتلر».
وذهب هتلر... ولكن عقلية هتلر لم تذهب، إنها عقلية تعشعش وتزدهر في نفوس كثيرة مريضة، يظن أصحابها أنفسهم باقين مخلدين، وأن القوة وحدها كافية لهم لدوام الحال واستمرار السلطان.
من يقرأ «فرعنة» هتلر وما فعله ببلاده وبلدان أخرى كثيرة يظنه بقي في الحكم قرنا من الزمن، ولكن الزعيم التعس لم يعمر في الحكم أكثر من اثني عشر عاما. ومع ذلك خرج بهذا الوهم الذي يدل على جهل ماحق بالتاريخ. وهذا هو شأن كل الجهلة بالتاريخ بلا استثناء.
طبعا لا ملامة أن يكون شخص مثل هتلر -أو صدام-جاهلا بالتاريخ، فبداياته المتواضعة لا تسمح له بأن يستوعب دروس التاريخ الكبرى، والكلام نفسه نقوله أيضا عن بوش، هذا الرئيس الذي يعرف مواطنوه أنه كان مدمنا على الكحول. أقول: لا ملامة على هؤلاء الجهلة، ولكن الملامة على الشعوب «المتحضرة» التي تأتي بأمثال هؤلاء إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، وتخولهم إدارة شئونها وتصريف حياتها حسبما يشتهون. ولو اقتصر الأمر على حدود بلدانهم الجغرافية لقلنا: «ليذهب الحمار بمن حمل إلى الجحيم»، ولكن الداهية انه لن يذهب إلا بعد ان يكتسح من يلقاه في طريقه كالطوفان العظيم.
ويقال الكثير عن آليات العملية الديمقراطية في الدول «المتقدمة»، وما تشهده من أزمة الاختيار بين الثور الأسود والحمار الأبيض يوم الانتخاب، وعما يمارس من «لعِبٍ» إعلامي موجّه، ولكن أن تكون الفكرة «الفرعونية» في عقول «الأكاديميين»، فهذا يعود بنا إلى قراءة التاريخ مرة أخرى. فكم كان بودي لو ان عميد الكلية بجامعة هارفارد لم ينس كيف انهار الاتحاد السوفياتي وتداعى بنيانه الضخم قبل 12 عاما فقط من دون أن تطلق بوجهه رصاصة من مسدس صغير
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 218 - الجمعة 11 أبريل 2003م الموافق 08 صفر 1424هـ