العدد 214 - الإثنين 07 أبريل 2003م الموافق 04 صفر 1424هـ

«سي إن إن» حولت الحرب إلى لعبة فوتبول أميركية

صحافيون أم جنود؟

الكاريكاتير الذي نشرته صحيفة (فرانكفورتر الجماينه) الصادرة في مدينة فرانكفورت يعبر عن الواقع: مراسل تلفزيوني اميركي يرتدي اللباس العسكري نفسه الذي يرتديه الجنود منبطح على الأرض وهم يطلقون النار تجاه هدف غير محدد، ويقول المراسل: «دعونا نتوقف دقائق قليلة عن إطلاق النار لأن المحطة الرئيسية ستقوم بعرض إعلانات». وحين يتحدث مراسل محطة «سي إن إن» الاميركية والت روجرز عن مجريات الحرب، «نحن من اليسار والعدو من اليمين وصاروخ أصاب هدفه ومرة أخرى شبابنا يثبتون جدارتهم»، فإنه يحول ساحة الحرب إلى ملعب تجري فيه لعبة الفوتبول الاميركية ويعكس تحيزا واضحا لفريق الغزاة.

يرافق روجرز وحدة عسكرية اميركية تشق طريقها في العمق العراقي، وهو واحد من بين ستمئة صحافي يرافقون القوات الاميركية الغازية قبلوا العمل بشروط العسكريين بتغطية مجريات الحرب وفقا لما يناسب مصلحة الغزاة وغالبية هؤلاء الصحافيين يعملون لأجهزة إعلامية اميركية وبريطانية وأطلق عليهم لقب «الصحافيين المدفونين» لأنهم يعلقون على ما يسمح به المرافقون العسكريون من خنادق محمية ومن داخل مصفحات وعلى متن عربات نقل الجنود.

لم يسبق وأن حصل صحافيون على مثل هذه الفرصة في نقل الحرب إلى بيوت المواطنين في أنحاء العالم لكن لهذا الامتياز ثمنه الغالي: مَنْ مِنْ الصحافيين لا يتقيد بالشروط التي وضعتها وزارة الدفاع الاميركية يعرض نفسه للإبعاد فورا. هذا ما حصل لمراسل تلفزيوني اميركي حين قام برسم خريطة على الأرض كي يوضح فيها مكان وجود قوات التحالف وقال متحدث باسم القيادة العسكرية المركزية في قطر إنه ألحق خطرا بأمن القوات.

إنه تطور جديد على علاقة الإعلاميين مع العسكر، ليس هناك مكان لتوجيه انتقادات على العكس، بدلا من المراقبة الناقدة اندمج الصحافيون مع الجنود وأصبحوا يستخدمون تعبير (شبابنا) و(ضربات موفقة ورائعة) وعن (عمل كبير). مثل هذه التغطية الإعلامية تبعث السرور في نفوس المسئولين بوزارة الدفاع في واشنطن التي ترى كيف تروج أجهزة الإعلام الاميركية للحرب وكأنها برنامج ترفيهي لأعضاء الأسرة كافة.

لأن بيتر آرنيت، الذي حصل على شهرة واسعة خلال حرب الخليج السابقة، انتقد الاستراتيجية العسكرية الاميركية في مقابلة مع التلفزيون العراقي، أعفي من وظيفته كمراسل لمحطة التلفزة الاميركية «ان بي سي» بتاريخ 31 مارس/آذار الماضي لأنه عبر عن رأي يتعارض مع رأي المسئولين في المحطة بشأن الحرب. يعمل آرنيت منذ فصله لصحيفة (دايلي ميرور) البريطانية ومنذ أيام قليلة تعاقدت معه محطة تلفزة بلجيكية.

في حديث مع محطة التلفزة الألمانية الثانية «زد دي إف» تحدث آرنيت عن ظروف العمل في بغداد وتعرض لموضوع فصله:

ما الشعور الذي راودك حين بلغك قرار إعفائك من منصبك كمراسل لمحطة ان بي سي الاميركية؟

- صدمني القرار وأن يجري طردي بهذه الطريقة. من جهة أخرى هذه حرب إعلامية ونحن الصحافيين جزء مهم في هذه الحرب وضحية هذه الحرب. إن ما أنقله أهم بكثير من المحطة التي أعمل لها وأرى أن أهم شيء هو الشهادات التي أنقلها والتزام الدقة في نقل الخبر. لو لم يوكلني أحد لكنت أتيت بمحض إرادتي إلى بغداد لأكون شاهدا على هذه الحرب لأنني أريد أن أرى ما يجري هنا وأجمع معلومات لأضعها لاحقا في كتاب أو أعمال وثائقية والآن ترتب عليّ أن أعمل لجهات إعلامية أخرى والمهم أن أمضي في عملي.

هل تعتقد أن ظهورك في التلفزيون العراقي حولك إلى خائن بنظر الاميركيين؟

- لا، سبق وأن ظهرت مئات المرات في التلفزيون العراقي خلال عملي في بغداد لمحطة السي ان ان، وأجريت معي مقابلات تلفزيونية لا تحصى وكان هدفي ان اوضح للجميع في العراق من مشاهدين وعسكريين ومسئولين حكوميين أنني هنا بوصفي صحافيا. وقد حصلت على معاملة جيدة من قبل الحكومة وكنت سعيدا جدا لوضع العمل. نقلت الرأي التالي دائما: عاملونا جيدا فنحن ضيوف هنا ولسنا ضدكم بل لننقل وجهة نظركم.

ما مدى استقلالية الإعلام الاميركي في هذه الحرب؟هل هناك محرمات على الصحافيين؟

- لم أكن ضمن الصحافيين الاميركيين وغيرهم الذين يرافقون قوات التحالف. لكنني أعرف الشروط التي ينبغي عليهم العمل بها. الامتياز الكبير في هذه الحرب أنهم يحصلون على فرصة تغطية الحرب في مواقع متقدمة ولهذا فهؤلاء يقبلون العمل وسط الظروف المعطاة والالتزام بتعليمات المسئولين العسكريين فيما يتعين عليهم قوله أو عرضه. هناك أمل بأن يجري لاحقا الكشف عن معلومات لا تظهر الآن لأسباب سياسية أو أمنية. في حرب الخليج السابقة لم تخرج معلومات كثيرة لأنه لم يسمح للصحافيين بالحضور في مواقع القتال.

ما تعليقك على وضع الإعلام اليوم حين تقارن بين تغطية الحرب الحالية وما يفرقها عن الحروب السابقة؟

- إن عدد الصحافيين المرافقين لقوات التحالف يزيد على عدد الصحافيين الموجودين في بغداد. في حرب الخليج السابقة كان في بغداد مجموعة صغيرة من الصحافيين وكنت المراسل التلفزيوني الوحيد الذي سمح له البقاء وممارسة عمله. اليوم يوجد في بغداد نحو 250 صحافيا من أنحاء العالم ينقلون انطباعاتهم عن الحرب من حديقة فندق (فلسطين)، وفي وقت واحد يجري نقل صور حية عبر دزينة من محطات التلفزة في أنحاء العالم. هذا اختلاف كبير. إنها حرب إعلامية تجري على هامش حرب القنابل والدبابات والطائرات.

هل يعمل الإعلاميون اليوم بحرية أكثر؟

- هناك حرية محدودة في حال الحرب. هذا ينطبق على الذين يريدون التوجه إلى جبهات القتال. اليوم مثلا تم منعنا من التوجه إلى المطار بحجة الحرص على أمننا. من الناحية الواقعية نحن نعتمد في عملنا على ما يسمح لنا به المسئولون الحكوميون وما يريدون قوله. يسمح لنا فقط بالتوجه إلى المناطق التي سقط فيها ضحايا في صفوف المدنيين. إننا نحاول الحصول من المسئولين على أكبر قدر ممكن من المعلومات. إنني أعرف العراقيين جيدا ولدي فكرة عن طريقة حياتهم. لكننا لا نحصل على معلومات مباشرة من ساحات القتال. لأول مرة منذ حرب فيتنام، يقدم الجيش الاميركي معلومات عن سير الحرب، لأنه يتحدث مباشرة إلى الشعب الاميركي ولا يعطيه مجالا للتفكير والأخذ بوجهة نظر الطرف الآخر. في الولايات المتحدة تجري الحرب على مدى أربع وعشرين ساعة متواصلة.

بيتر شول لاتور، الصحافي الألماني الذي غطى حرب فيتنام ورافق الاميركيين كما تعرض للأسر، وتخصص في شئون الشرق الأوسط يصف هذه الحرب بأم الأكاذيب. إنه ينتقد السياسة الإعلامية التي يستخدمها الاميركيون وخصوصا فرض رقابة على ما يذاع ويعرض، ويرى أن استخدام ستمئة صحافي في المواقع المتقدمة غرضه تقديم صورة منحازة عن مجرى الحرب.

لماذا وصفت الحرب الحالية بأنها أم الأكاذيب؟

- لم يسبق وأن تعرضنا لتعتيم إعلامي مثلما يحصل في هذه الحرب التي صدر القرار بشنها بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001. كل ما تابعناه من مناقشات في مجلس الأمن الدولي لم يكن أكثر من مجرد مناورة للرأي العام وتحضيره لتقبل هذه الحرب، ولا يجب أن يغيب عن الذكر أن الاميركيين كانوا يراهنون على الفوز بموافقة الأمم المتحدة على شن هذه الحرب. على أية حال أرى أن المناقشات التي جرت في مجلس الأمن الدولي ساعدت في تأجيل وقوع الحرب ومنحت الاميركيين فرصة لإتمام انتشار حشودهم العسكرية في منطقة الخليج.

هل ينطبق وصف أم الأكاذيب أيضا على سياسة الإعلام التي يمارسها الاميركيون؟

- أن يتحفظ العراقيون في تصريحاتهم فهذا أمر مفهوم لأنهم الطرف الذي يتعرض للغزو وليس العكس. ولكن أن يقول الرئيس الاميركي على الملأ إن العراق قام بشراء يورانيوم من إفريقيا ثم يثبت عدم صحة هذا الكلام، هذا كذب فاضح. يمكن الحكم بوضوح على انعكاس التعتيم الإعلامي عند سماع تقارير مراسلي أجهزة الإعلام الألمانية الموجودين في مراكز القيادة العسكرية الاميركية في الدوحة والكويت. إنهم يتعرضون لمعاملة سيئة من قبل الاميركيين إذ لا يحصلون على فرصة للحصول على معلومات، وقال ضابط اميركي لصحافي ألماني: تقضي الحرب بإعطاء أولوية للصحافيين التابعين لدول التحالف، وأضاف أنه بوسع الصحافي الذي احتج على سوء المعاملة أن يتقدم بشكوى عبر القنوات الدبلوماسية في برلين أو باريس. كما ان الصحافيين المرافقين للقوات لا يحصلون على معلومات صحيحة لأنه عليهم مراعاة الشروط المفروضة عليهم من قبل وزارة الدفاع الاميركية.

هل استخدام الصحافيين في فرق القتال نوعية جديدة للتغطية الإعلامية لحرب تصل ملايين المشاهدين كبرنامج ترفيهي؟

- نعم ولكنها تقود أيضا إلى طمر الحقائق، والصحافيون الذين يقومون بإطاعة العسكريين الاميركيين يعرفون ذلك جيدا كما يعلمون أنه ليس بوسعهم القيام بعمل صحافي ناقد أو محايد. إن الغرض من هذه الطريقة هو تحويل الحرب كما قلت إلى برنامج ترفيهي وتبقى معاناة المدنيين على هامش الحرب. إنني أخشى أن تجري معاملة الصحافيين الذين يرافقون قوات الغزو كأبطال ويمكن من خلال تحليل ما قدموه حتى الآن الحكم على أنهم يعملون في تنظيف قاذورات الحرب.

أي نوع من الصحافيين أولئك الذين اندمجوا في صفوف القوات الاميركية والبريطانية؟

- إنهم مجموعة مختارة من العاملين في أجهزة إعلامية مقربة من الإدارة الاميركية. لم ألحظ وجود مراسل ألماني أو فرنسي بينهم، ثم بوسعهم فقط التقاط صور لما يسمح لهم به أو التعليق بما يناسب العسكريين ولهذا السبب لا يملك الرأي العام صورة واضحة عن مجريات الحرب. إن كل ما بوسعي قوله عن هذه الحرب أنها مثل فيلم رعاة البقر.

لو حصلت على فرصة الانضمام وتغطية الحرب من داخل دبابة أو عربة نقل الجنود أو خندق، هل تقبل العودة والعمل كمراسل حربي؟

- لا، الوضع يختلف اليوم، سأضع نفسي آلة بأيدي الرقيب العسكري الذي سيملي علي أوامره ويقرر ما أقوله وأصوره وهذا يتعارض تماما مع شرف المهنة وحرية التعبير عن الرأي.

ما الدرس الذي لم يتعلمه الاميركيون من حرب فيتنام؟

- إنهم تعلموا الدرس الخطأ عل

العدد 214 - الإثنين 07 أبريل 2003م الموافق 04 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً