أسلوب التكتيك الخفي في إدارة بوش بدأ ينقشع عن أرض الواقع في إظهار معادلة تحكمها موازين القوة وترجيح كفة النصر لصالح الأقوى، ذلك ان مغزى السياسة الأميركية هو قلب موازين معادلة التوازن في المنظومة الدولية وتحقيق نظام الوحدانية في الوجود، بحيث لا تكون هناك قوة تؤثر على مساعي ومصالح الإدارة الأميركصهيونية في المرمى الذي أرادت أن تصوب الكرة نحوه من دون حارس يدافع ويقاوم الهجمة العدوانية.
كان لتفكيك وانقسام الاتحاد السوفياتي إلى دويلات أثر كبير في تقويم إدارة الشر الأميركية في فرض سلطانها، ذلك ان الحرب الباردة قامت لفرض هيمنة الأقوى بين النظام الشيوعي «الاشتراكي الروسي» و«النظام الرأسمالي الأميركي»، فكان رفض نجاح المعسكر الشرقي على حساب المعسكر الغربي منطلقا يدق طبول الحروب.
العجلة دارت لتكون دراما الحوادث نفسها والشخوص على أرض عربية مسلمة في مطلع القرن الحادي والعشرين، تدور فصولها جميعا في مدن وقرى العراق، وفي إحداها - مدينة الفلوجة - قامت قوات العدو بإطلاق نيرانها على رتل من السيارات خاص بالسفير الروسي في العراق، والذي غادر بغداد متوجها نحو سورية. ولمعرفة قوات الغزو بموعد المغادرة سرعان ما أطلقت نيرانها على الموكب في وقت تزامن مع وصول مستشارة الأمن القومي الأميركي كونداليزا رايس إلى موسكو لإجراء مباحثات تتصدر القضية العراقية جدول أعمالها مع وزير الخارجية الروسي إيغور إيفانوف، غير ان مجرى الحدث ترك ثغرة أمام إحراز تقارب في وجهات النظر بينهما، وجعل قضية استهداف الموكب المشروع الأول الذي يرتكز عليه إيجاد صيغة توفيقية في الاجتماع.
ويتوقع المراقبون أن يكون حادث الموكب نقطة تؤجج حدة الصراع بين البلدين، وإحداث توتر في العلاقات الدبلوماسية إن لم تسارع أميركا إلى إعطاء غطاء شرعي يبرر الحدث بناء على نتائج التحقيق المزمع إجراؤه لمعرفة ملابسات الحادث. والنتائج المتوقعة إما أن تتهم النظام العراقي ـ وهو الأكثر ترجيحا ـ أو تصفها بالنيران الخطأ أو «الصديقة» لو كانت روسيا ضمن مجموعة الدول التي وافقت على شن الحرب على العراق! لكن التاريخ يدلنا على أن روسيا من معارضي الحرب فكيف ستتدارك إدارة الشر الغضب الروسي من الحادث المفتعل على القافلة الروسية؟ هل بإدارة وتغيير وجهة المدرعات وإعلان حرب باردة أخرى... أم بتلبيس قيادة صدام خطأ النيران الأميركية على رتل السيارات الروسية؟
العدد 214 - الإثنين 07 أبريل 2003م الموافق 04 صفر 1424هـ