ما تم تحقيقه وانجازه على صعيد الأمن والسلم الاجتماعيين في بلاد البحرين العزيزة كبير بالنظر إلى ما كان عليه الوضع السابق. والتطورات السياسية المتلاحقة التي شهدتها البلاد في السنوات الثلاث الماضية على صعيد ترسيخ دولة القانون وإرساء الحرية والديمقراطية سريعة بالقياس إلى دول أخرى في المنطقة كانت مشابهة في أوضاعها للوضع البحريني الماضي وانتهت إلى ما وصلت إليه البحرين من بر الأمان والوضع الديمقراطي مع الفارق الزمني في تحقيق هذه الانجازات والمكتسبات.
ومن أهم الدروس والعبر التي نستفيدها من هذه التطورات الديمقراطية ومن واقع البحرين اليوم أن المستفيد الأول منها - في حال تكرارها ونشوئها في أي بلد آخر - هو الأنظمة الحاكمة والسلطات القائمة، قبل أن تكون فائدتها للشعوب أو للمعارضة، بغض النظر عن كونها ضرورة لحفظ كيان الدولة من الانهيار والدمار نتيجة التمزق والصراعات وبالذات إذا دامت وطال أمدها.
فالشرعية القانونية والدستورية والرضا والقبول الشعبي بالحكم السائد ومن ثم بقاؤه واستمراره، كل ذلك لا يتحقق إلا بتحكيم الدستور وسيطرة المجتمع المدني المؤسساتي على جميع مجالات البلاد المختلفة.
ولا أريد هنا أن أدخل في الجدل القائم ما بين السلطة وبعض أطراف المعارضة في مدى ما أُنجز وما تحقق على صعيد الحياة السياسية البرلمانية في البحرين، فذلك شأن داخلي بحريني بحت، لكني أسجل هنا ومن موقع المطلع والمراقب - من الخارج - أن الواجب التاريخي والمسئولية الاجتماعية يُحتمان الابقاء والحفاظ على ما نالته البلاد من مكاسب سياسية حضارية مهما قيل في شأنها، وكل محاولة إضفاء وتطوير لها لا يمكن أن تتم إلا من داخل البيت المؤسس الحديث القائم أو من خلال التفاوض والحوار فيما بين طرفي المعادلة - نظام ومعارضة - ومن ثم الاقتصار على انتهاج جميع السبل والوسائل السلمية المتاحة والفعالة لتحقيق الهدف المنشود.
ولا يخفى أن دول الجوار - لاسيما تلك التي لم يصل الوضع السياسي السائد فيها مستوى ما وصلته الحال البحرينية - تتابع وباهتمام بالغ وتراقب هذه التجربة الوليدة والحديثة وتنتظر إلى ما ستؤول اليه الأمور خلال السنوات القليلة المقبلة، ولا أكشف سرا إذا ما زعمت بأن هذه الدول نفسها ومن أعلى مصادر القرار الرسمي قد ساهمت في تمهيد الطريق وافساح المجال لبلوغ الديمقراطية هذا المستوى من التكامل والنضج.
وهذا يعني أن نجاح التجربة واستمرارها له انعكاسات كبيرة على الأوضاع السياسية الداخلية لهذه البلاد الأخرى، تارة بنحو الإيجاب والرغبة في تطبيق التغيرات والاصلاحات السياسية نفسها لما تركت من أثر طيب في نفوس المسئولين وأصحاب القرار فيها بعد الاطمئنان وزوال القلق والتخوف من الاقدام على هذا التغيير السياسي اللازم، وبالتالي القناعة التامة بالايجابيات الكبيرة الناجمة عن الحال الديمقراطية.
وتارة أخرى سيكون هناك انعكاس سلبي وخطير في حال فشل التجربة السياسية في الحرية والانفتاح في البحرين - لا سمح الله - وأبرز ما يتمثل فيه هذا التأثير السيئ هو تراجع فرص إرساء الوضع الديمقراطي وحكم القانون ولسنين طويلة في كل هذه الدول المترقبة لنتائج الظاهرة البحرينية، بل والأكثر من ذلك تكريس الوضع السياسي الحالي وتجذره والتمسك به.
من هنا فإن المسئولية - بحسب وجهة نظري - الملقاة على عاتق المعارضة كبيرة - وأخصها بالذكر لأنها الطرف الأضعف في المعادلة البحرينية - فهي مدعوة إلى التعامل مع الواقع الحالي بمرونة شديدة وبروح من التسامح والتنازل من أجل حفظ ما نالته وحصلت عليه بعد الجهد الكبير والطويل الذي بذلته في سبيل ذلك.
والأيام المقبلة والحوادث المتتابعة والتطورات السريعة التي تشهدها المنطقة وخصوصا ما يحدث هذه الأيام من تدخل دولي وإرادة كبرى مفروضة علينا... كل ذلك كفيل بتحقيق وانجاز ما لم يتم تحقيقه من المطالب والاصلاحات السياسية المشروعة
العدد 214 - الإثنين 07 أبريل 2003م الموافق 04 صفر 1424هـ