العدد 214 - الإثنين 07 أبريل 2003م الموافق 04 صفر 1424هـ

غاب دور المثقفين فتحوّلنا إلى «قطيعٍ »مشتت

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عالمنا العربي في مهب الريح، والقلم يعجز عن وصف حالنا المعنوية والأسباب التي أدت إليها. فدخول الاميركان إلى بغداد والبريطانيين إلى البصرة لـ «تحرير العراق» يعزز المقولة التي رددها بعض المستشرقين «ان اهل الشرق الاوسط عاجزون عن ادارة شئونهم بأنفسهم وانهم كما احتاجوا إلى بريطانيا لإزاحة فرنسا من مصر قبل 200 عام فانهم ايضا احتاجوا إلى بريطانيا وفرنسا لمساعدتهم في الحصول على «حق تقرير المصير» من الاتراك قبل 100عام»، والآن فان الاميركان هم الوحيدون الذين يقررون مستقبل الشرق الأوسط.

ان هذه التراجعات على المستوى الحضاري يرجع احد اسبابها الى انقلاب المثقف من «صاحب رأي» له سلطة أدبية، الى «مثقف السلطة» يبرر كل سوء وكل تدهور وكل طوارئ وكل مصيبة حلّت بالأمة.

ان أبشع المظاهر في عالمنا العربي ليس الحرمان السياسي وانما التبريرات المطروحة لفرض ذلك الحرمان. الدكتور والدبلوماسي والمدير التنفيذي والتاجر وغيرهم من اصحاب النفوذ يتحدثون اليك اثناء وجودهم خارج الوطن العربي بانطلاق ويشاركون انسان منطقتهم في أحاسيسه وتطلعاته، ولكنهم سرعان ما يعودون إلى بلدانهم ليندمجوا في مسيرة الحرمان... «اننا نختلف... الواقع في بلداننا لا يقبل بتلك الأفكار المنطلقة خارج الحدود المسموح بها... اننا نعيش الألم ولكن ما هو الضمان بأن يكون البديل افضل مما هو متاح؟ ... ان عاداتنا وتقاليدنا لا تسمح بالنمط الديمقراطي... اننا نحتاج إلى مئات السنين لكي نرتقي إلى مستوى الشعوب الاخرى التي تمارس العمل السياسي الحر... ان الطبقة المتوسطة في بلادنا ليست طبقة تغيير وانما هي طبقة طفيلية ارتقت إلى ذلك المستوى بفضل قربها من السلطة... ان التطرف الديني او العرقي سينتصر لو أتحنا المجال للديمقراطية... ان الاستقرار والأمن افضل من السماح بحرية الرأي التي ستقلب الاوضاع... الخ».

تبريرات لا نهاية لها، وقد يكون الأمر اهون لو ان الذي يطرح هذه التبريرات يقول: «اني افضل الحياة الحالية لانني شخصيا لا أستحق افضل منها». هذا هو الجواب الذي يلخص المشاعر الداخلية لمن يطرح الموضوع بتخاذل ويسلم امره إلى الظروف المحيطة به، منتظرا الإنقاذ من الخارج او ان تتغير الظروف بصدفة سعيدة يكون هو موجودا فيها ليشترك في الاحتفال البهيج.

لو ان مختلف الامم في اي زمان واي مكان كانت قد التزمت بالظروف المحيطة بها لما تقدمت الانسانية خطوة واحدة... ولو ان الانسان لم يحرك عقله ويعمل من اجل الاصلاح ومن اجل تحسين وضعه الى الأفضل لبقي في الغابات مع بقية الحيوانات خائفا من أسد يفتك به او حيوان آخر يعتدي عليه. لو ان الانسانية افتقدت ذلك الشخص الذي يغني خارج السرب لما تقدمت خطوة واحدة ولما حققت مدنية متقدمة.

قرون من الحرمان السياسي خلفت لنا عقلية بليدة مدجنة ومتأقلمة (ان لم تكن مشاركة) في استمرار الحرمان... وأنتجت لنا ما نعيشه هذه الايام.

إن حرية التعبير عن الرأي وحرية التجمع بصورة سلمية والتمتع بكامل الحقوق المدنية والسايسية ليست حكرا لقوم معينين دوننا. ان العرب والمسلمين كانوا في المقدمة عندما احترموا العلم، وعندما احترموا العلماء... واصبحوا في المؤخرة عندما سلطوا المصالح السياسية الضيقة على المبادئ، فأصبح هناك علماء بلاط ومثقفو سلطة وصحافيو نظام بدلا من ان تكون السلطة الادبية في الاساس للفكر والمفكرين وللرأي السديد.

المفكرون النوعيون اليوم يعيشون خارج التأثير في بلادنا العربية والآخرون محدودون في نشاطهم. العالم يتقدم إلى الامام بمشاركة فكرية وانسانية في مختلف المجالات... وبلداننا تتقدم في اساليب إذلال المواطنين حتى سلط الله علينا من لا يعترف برأينا جميعا ويتخذ القرارات المصيرية نيابة عنا... اين هي عاداتنا وتقاليدنا من كل هذه الاساليب؟ ومن قال انها النمط المفروض علينا من الغرب او الشرق؟ اننا نحن المسئولون بالدرجة الأولى عن وضعنا... والمثقفون هم اكثر الأفراد مسئولية عن تردي واقعنا... ذلك لانهم يستطيعون التعبير ولكنهم يفضلون السكوت للتعايش مع «الظروف».

ان السلطة المطلقة في بلادنا العربية أفسدت الأوضاع، والحرمان المطلق خلق التطرف، وعدم المبالاة من مثقفينا هو العامل المساعد لاستمرار هذا الواقع. فالواقع الحالي لم تفرضه عاداتنا او تقاليدنا لاننا كنا سادة وقادة وأعزة وذوي شوكة أساسها العلم والتحضر... اما اليوم فنحن آخر من يسأل عن رأيه حتي في تسيير شئون ذاته لاننا همشنا انفسنا حتى عدنا بلا احسان لتاريخنا وبلا لسان لمجتمعنا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 214 - الإثنين 07 أبريل 2003م الموافق 04 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً