العدد 210 - الخميس 03 أبريل 2003م الموافق 30 محرم 1424هـ

ماذا لو سقط العراق؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الحديث عن المعارك العسكرية نتركه للخبراء في علوم الحرب والمعلومات الميدانية. ولكن المرجح نظرا للظروف الدولية والاقليمية والعربية وللتفوق النوعي في السلاح والتقنيات ان تربح الولايات المتحدة معركتها العدوانية وتحتل العراق. الاحتلال العسكري ليس بالضرورة ان يترجم الى احتلال سياسي. فالانتصار السياسي مسألة مختلفة ولا تستطيع أية قوة في الارض ان تربحها اذا وجدت ارادة الصمود ورفضت نتائج العدوان ومنع المحتل من الاستفادة من نجاحاته العسكرية.

سنركز الحديث على سؤال افتراضي: ماذا لو سقط العراق؟ الجواب يتعلق بالتداعيات المتوقعة ونتمنى ان لا تحصل ولكن هذا لا يمنع من تصورها في حال انهار الوضع العسكري في العراق.

هناك تداعيات (استحقاقات) كثيرة ستنجم عن سقوط العراق تطال مختلف الجوانب منها ما يتعلق بالعراق نفسه ومنها ما سيكون له انعكاساته على كل المستويات الاقليمية والدولية، والعربية - الاسلامية، والاميركية.

نبدأ بالجانب العراقي. يتوقع في حال سقوط بغداد واسقاط النظام (المركزي) ان تعم الفوضى السياسية مدى اسابيع اذ يرجح ان تختلط الاوراق وتتضارب القوى نظرا لانكسار التوازن الداخلي. وهذا يفتح باب تداعي المجتمع الاهلي الامر الذي يتطلب عدة اسابيع لاحتواء الفوضى الاهلية.

بعد اسابيع تبدأ اعادة ما دمرته الحرب، وترميم البناء التحتي يحتاج إلى شهور وربما سنوات لاعادة العراق إلى الحال التي كان عليها قبل العدوان والاحتلال.

خلال هذه الفترة سينهمك الاحتلال باعادة ترميم الدولة (البناء الفوقي) وهذه مهمة صعبة ولعلها المهمة الاصعب اذ تحتاج الى مرونة سياسية لاستيعاب تعارضات المجتمع وتنوعه الجغرافي والمذهبي والمناطقي والعشائري والاقوامي (القوم).

واهم مهمة في اعادة ترميم الدولة تلك المتعلقة بالمؤسسة العسكرية ومصير القوات العراقية والحال التي آلت إليها بعد الحرب. فهذه المهمة صعبة للغاية لانها ستبدأ بتفكيك المؤسسة ثم إعادة تجهيزها وفق تصور الاحتلال الاميركي وغاياته ومخططاته.

وفي صدد مسألة مصير القوات العسكرية هناك سؤال يتعلق بمصير العلماء (عقل العراق ودماغه) وعددهم كما يقال لا يقل عن 18 ألفا. يرجح ان نصف هذا العدد سيصبح من دون عمل نظرا لفرض رقابة اميركية (وباشراف من الدولة الجديدة التابعة للادارة الاميركية) على اشغال القطاعات العسكرية والقطاعات البتروكيماوية، ويحتمل هنا أن يتعرض هؤلاء العلماء لاغراءات مالية للعمل في الصناعات الاميركية التي تحتاج الى عقول جاهزة ومتخصصة ومدربة على العمل في قطاعات حساسة في اصعب الظروف واخطرها.

الجانب الاقليمي

نأتي إلى الجانب الاقليمي. يتوقع ان يسود حال من الحيرة وربما الاضطراب النفسي الذي قد يؤثر على تماسك الوضع السياسي في الدول المجاورة وتحديدا في ايران وتركيا وربما سورية (وسقوط الصواريخ عن طريق الخطأ العسكري يؤشر إلى سياسات اميركية مختلفة عن تلك التي كانت سائدة في عقود سابقة).

هذا الاضطراب النفسي - السياسي ستحاول «اسرائيل» استثماره لتحسين مواقعها. فتل ابيب ستعمد على الاستقواء بالفوز العسكري الاميركي للضغط على الفلسطينيين، وسيستخدم شارون «الهراوة» الاميركية لتأكيد رفضه لمختلف التسويات السلمية التي دعت اليها الامم المتحدة.

ومع صعوبة الوضع الفلسطيني سيزداد الوضع السوري صعوبة سواء على مستوى موقعها الاقليمي في لبنان وربما على مستوى شروط التسوية الاميركية في «الشرق الأوسط».

ويرجح ايضا ان يتراجع التأثير العربي على قرار النفط وخصوصا حين تضمن مافيات واشنطن سيطرتها على حقول الكويت والرميلة ومجنون (40 في المئة من الاحتياطات المكتشفة في العالم). وسيطرة شركات النفط الاميركية يعني ان احتمال تفكك منظمة (اوبك) كهيئة تضم المنتجين لهذه المادة الاستراتيجية يصبح من الامور الواردة في السنوات المقبلة.

وتراجع الموقع العربي في القرار النفطي (منظمة اوبك) سيلعب دوره السلبي في ارباك الاستقرار السياسي في دول الخليج العربية ومن ثم اضطرارها إلى التراجع عن الكثير من القضايا المتعلقة بالهوية والثقافة وبرامج التدريس والتعليم.

عربيا وإسلاميا

يرجح في حال اسقاط العراق من الجغرافيا السياسية العربية ان ينمو التيار الاميركي المتطرف المعادي للهوية العربية والثقافة الاسلامية من خلال بروز منابر اعلامية وسياسية ستلجأ إلى اتباع السلوك الهجومي مستقوية بالنجاح الاميركي في العراق واتساع نفوذ المشروع الصهيوني في دائرة المنطقة.

ويرجح ان يترافق مع هذا الهجوم الثقافي تعرض دول الخليج العربية، وغيرها من الدول العربية والاسلامية، إلى ضغوط سياسية - نفسية قد تضطرها الى اعادة النظر في الكثير من المفاهيم ذات الصلة بالجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي ودول عدم الانحياز وغيرها من هيئات اقليمية لاتزال تعمل حتى الآن في الحدود الدنيا.

الجانب الدولي

لن تقتصر تداعيات اسقاط العراق على الجوانب المحلية والاقليمية والعربية والاسلامية بل سيكون للامر تأثيراته الجانبية على حركة العلاقات الدولية وتفاعلاتها. ويرجح في السياق المذكور ان تنمو نزعة اميركية (تسيطر عليها عقلية ايديولوجية متطرفة) تؤمن بالقوة العسكرية كأساس للتغيير الثقافي وتعديل الجغرافيا السياسية. ويحتمل في اطار التوقعات ان ينتقل مركز الثقل الاميركي في اوروبا من القلب (المانيا وفرنسا) الى الاطراف (اسبانيا في جنوب القارة وبلغاريا ورومانيا في شرق اوروبا). وهذا يعني تطويق روسيا وزيادة الضغط عليها سياسيا واقتصاديا في شرق اوروبا واسيا الوسطى وبحر قزوين و«الشرق الأوسط».

هذا التراجع الدولي سيزيد من شراسة الهجوم الاميركي على الامم المتحدة بعد كسر هيبتها القانونية. ويرجح في المعنى المذكور ان تتراجع اهمية الامم المتحدة كضابط سياسي للصراعات الناشبة وتحولها الى منظمة انسانية او هيئة اغاثة دولية تشرف على تنظيم مساعدات اللاجئين بسبب الحروب العدوانية الاميركية.

الجانب الأميركي

لن تكون الولايات المتحدة بعيدة عن التحولات الدولية والاقليمية الجارية في «الشرق الأوسط» ومحيطه الاوروبي - الآسيوي. فالنجاحات التي يتوقع ان يحققها صقور (اشرار) البنتاغون ستدفع نحو تجديد الصراع الداخلي بين التيار الانعزالي الذي يضغط على واشنطن بالانسحاب من بؤر التوتر في العالم... والتيار الهجومي (الايديولوجي المتطرف) الذي يرى ان استراتيجية الضربة الوقائية (او الاستباقية) هي الوسيلة الانجع لكسر القوى الاقليمية المضادة والاسلوب المفضل في معالجة الازمات لانه يعطي نتائج سريعة.

فالنجاحات الاميركية في افغانستان والعراق تساعد التيار الايديولوجي المتطرف على تبرير استراتيجيته الهجومية الامر الذي قد يشجعه على ممارسة الضغوط على اوروبا لمنعها من النهوض وتشكيل قوة مستقلة ومتوازنة دوليا في المستقبل.

ونجاح الجناح الايديولوجي الهجومي المتطرف خارجيا يعني عمليا تقوية شوكته في داخل الولايات المتحدة وتقوية نفوذه. وحين تنمو شوكة هذا التيار (المجنون والشرير) فانه سيضغط بالتأكيد على تحسين موقع الجناح العسكري في القطاعات الصناعية (رفع موازنته والاستثمار في هذا المجال) وبالتالي دفعه نحو المزيد من عسكرة الصناعة والاقتصاد حتى يصبح قوة قائدة للمجتمع ويفرض شروطه على مختلف القطاعات الاخرى. وحين ينجح الجناح الصناعي العسكري في قيادة الاقتصاد الاميركي تسهل امام اشرار البنتاغون امكانات الدفع نحو المزيد من العسكرة السياسية. وهنا تصبح الولايات المتحدة دولة سياسية اسبرطية (اسبارطة) تخالف كل دستورها المدني.

واخيرا، اتمنى ان لا تصح كلمة من الحديث. واتمنى ان يصمد العراق سياسيا وان تفشل اميركا في عدوانها واحتلالها. واذا حصل هذا الامر سأعود الى هنا واعتذر عن كل كلمة قلتها.

حديث القي الأسبوع الماضي

في مجلس الشيخ عبدالامير الجمري في بني جمرة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 210 - الخميس 03 أبريل 2003م الموافق 30 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً