العدد 210 - الخميس 03 أبريل 2003م الموافق 30 محرم 1424هـ

ماقيمة الشعب الذي ليس له لسان؟

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

بعض المسئولين يحاولون إذلال المواطنين عبر استخدام صلاحياتهم، ويعتبرون ما يقومون به نوعا من الشطارة. فوزارة الاعلام تقمع حرية التعبير عن الرأي وثم تدعي بأنها تطبق القانون، ولكن القانون ما هو الا «قانون الصحافة والنشر» المرفوض دستوريا ومهنيا وانسانيا واخلاقيا.

الحديث عن قدرة الإنسان على الانتقال من وضعية معينة إلى أخرى موضوع يصعب فهم الكثير من معطياته. إذ أن هناك بعضا من الناس يحصلون على مال كثير، إلا أن نمط حياتهم يبقى متخلفا ولا ينعم هؤلاء بالإمكانات المتوافرة لهم بذوق رفيع. وترى بعض هؤلاء وتحسبهم من المنهكين اقتصاديا لأن طريقة حياتهم تبقى «رثة» على رغم الصرف الهائل على مختلف الأمور في حياتهم. بعكس ذلك، ترى البعض وتحسبه من المتمكنين اقتصاديا لأن أسلوب حياته وذوقه يصل إلى مستوى أرفع من الظروف، كما تذكر الآية الكريمة «يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف» (البقرة: 273).

يقسِّم الفيلسوف برتراند رسل الإنسان إلى نوعين، أحدهما «خلاّق»، والآخر «طمّاع». الخلاق يعطي والطمّاع يأخذ. الخلاق ينمي الخير والخيرات ويوفرها لنفسه ولمن حوله. الطمّاع على العكس لا يشبع ولا يتوقف عن الشكوى من ضائقته وحاجته للمزيد من القوة والثروة. الخلاق هو أساس التحضر والطمّاع هو أساس التخلف. لأن الطمّاع يلتهم ويبتلع ويصل الأمر به إلى حسد الآخرين وبالتالي تنمو فيه الحاجة إلى الانتقام لإشباع رغباته وتهدئة روعه وجنوحه إلى الشبع. وهذا النوع من البشر حتى لو أنعم الله عليه بكل ما يحلم به، لا تهدأ نفسه ولا يصدق أنه حصل على ما يستحقه في هذه الحياة، وتراه يرجع إلى سلوكياته وأساليبه ويطورها بصورة سلبية. على العكس من ذلك فإن الإنسان «الخلاق» هو ذلك الشخص الذي يكدح من أجل الوصول إلى ما يريد عن طريق الجد والاجتهاد والابتعاد عن الضرر والإضرار بالآخرين. والإنسان الخلاق هو الذي يستطيع أن يوفر لنفسه ما يمكنها من الانتصار على الظروف ـ مهما كانت قاسية ـ وهو أيضا الذي يساعد الآخرين في الانتصار على المصاعب وتخطي الصعاب.

الانتقال بالنفس إلى الذوق الأرفع لا يعني أن يملك الإنسان المزيد من المال أو الجاه او السلطة، وإنما يعني أن يتذوق النعمة التي وفرها الله له عن طريق الحلال والكدح والتعب «يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربّك كدحا فملاقيه» (الانشقاق: 6).

الانتقال بالنفس من الذل إلى العز لا يعني أن يتكبر الإنسان أو يحطم الآخرين. الانتقال النفسي يعني الاطمئنان القلبي تجاه الذات وقدرتها على تخطي الصعاب والانتقال من الوضع الأدنى غير اللائق بكرامة الإنسان إلى الوضع الذي يسمح للطاقات الخلاقة بالظهور. هذا الاطمئنان القلبي يحتاج إلى الأخلاقية المعنوية وذكر الخالق «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» (الرعد: 28). هذا الاطمئنان يعني الثقة بالنفس وعدم استسلام المرء أمام الصعاب، والأهم من ذلك عدم السماح للنفس بأن تعيش الذل بينما تتوافر سبل العيش الكريم.

والعيش الذليل يبدأ عندما لايستطيع المرء التعبير عن ما يختلج بنفسه، والأسوأ من ذلك هو عندما لايستطيع الصحافي ان يتحدث عن شئون بلاده لان هناك وزارة اعلام تمسك بسيف تحت عنوان قانون للصحافة لتقطع به اللسان.

ان الشعب صوّت من اجل الميثاق وأيد التوجهات الاصلاحية ولن يقبل بعودة قوانين أمن الدولة التي تتخذ اسماء اخرى، كما هو الحال مع قانون الصحافة والنشر الجائر الذي وعدت القيادة السياسية بتعديله لالغاء الظلم المقنن داخله. ولكن وبدلا من إلغائه باشرت وزارة الاعلام بتطبيقة بطريقة انتقائية لاخراس الصحافة. ونحن نرفض هذا الظلم ونرفض هذا القانون كما رفضنا قانون امن الدولة، فـ «ما قيمة الشعب الذي ليس له لسان؟»

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 210 - الخميس 03 أبريل 2003م الموافق 30 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً