العدد 2239 - الأربعاء 22 أكتوبر 2008م الموافق 21 شوال 1429هـ

غاندي وفلسفة التغيير

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كان موهنداس غاندي محاميا صغيرا وفاشلا في الهند، فهاجر في 1869 إلى جنوب إفريقيا طلبا الرزق. وعاد منها العام 1915 ليقود أكبر حركة سياسية سلمية انتهت بتحرير الهند من قبضة الإمبراطورية البريطانية في عز مجدها وسطوتها وجبروتها.

المحامي الهندي الهزيل، الذي درس الحقوق في بريطانيا، انتهى عقد عمله في ناتال بعد عام، لكنه بقي عشرين عاما للدفاع عن حقوق الهنود والأقليات، بسبب موقف بسيط، حين تعرض لسوء المعاملة أثناء ركوبه الباص في مدينة ديربان، فهو من الملوّنين الذين يُعتبرون من الطبقات الدنيا في بلدٍ كانت تحكمه قوانين الفصل العنصري. ورغم ما عُرف عنه من جبنٍ وضعف، أحدث هذا الموقف المهين في داخله انقلابا، دفعه إلى قيادة نضال شعبه نحو التحرر من الظلم والاحتلال.

غاندي أصبح في نظر شعبه من كبار القديسين، فلقبه بـ «المهاتما»، أي صاحب الروح الكبيرة، وأقام له التماثيل في كل مدينة وقرية، كما يلاحظ من يزور الهند. ورغم أن أكله اللحم مرة بداية دراسته ببريطانيا سبّب له هزة نفسية عنيفة لمخالفته لتعاليم دينه، إلا أنه أصبح منفتحا على الأديان الأخرى، فكان يدخل المعبد اليهودي، ويدخل الكنيسة ومساجد المسلمين.

هذا الانفتاح والتسامح الكبير، وهذا الأفق الإنساني الرحب، كان عاملا مهما لتوحيد الهند، ونهضتها وخروجها من قرونها الوسطى إلى قلب العصر الحديث، لتأخذ مكانها اللائق بين الأمم.

مثل هذا الرجل، الكلّ يحبّه، حتى أعداؤه الذين يكرهونه يضطرون إلى احترامه، لأنه لا يحمل حقدا أو ضغينة على أحد. تجاوز ذاته، وحيّه، وطائفته، ودينه الهندوسي، ليمد ظلّه على خارطة الهند، فأصبح من الخالدين.

بدأت حركته مطلع القرن العشرين، وأثمرت استقلال الهند قبيل منتصفه، ولم ينتهِ القرن إلاّ وقد وضعت الهند أقدامها على سلم التصنيع والتقنية النووية. أين من ذلك الأفق هذه العقليات الصغيرة، والدعوات الصغيرة، والأفكار الصغيرة، التي تنزل بخطابنا الإعلامي إلى مستوى «مآتمكم» و «مساجدنا»؟ وتعدّ على الناس أنفاسهم وتحاسبهم على حرية ممارساتهم الدينية كأنها هبةٌ أو منّة، وليست منحة إلهية من الخالق، أو حقا كفله القانون والدستور والسياسة التوافقية في بلد ثنائي الطوائف؟

أهذه رسالة تنوير؟ هذه ثقافةٌ ناضجةٌ تشاع في مطلع القرن الحادي والعشرين؟ هل هذا خطابٌ إعلاميٌ رشيدٌ يُروّج في الصحافة وبرامج التلفزيون؟ أهذه دعوة وحدةٍ ورصّ صفٍ بعد سبع سنوات من الإصلاح؟ هل هذه مواقف وطنية مسئولة بعد ست سنوات من عودة الحياة النيابية؟ أم أنها انحدار بخطابنا السياسي إلى نوعٍ من الزيران؟ وهل هكذا سنحل أزماتنا ومشاكلنا السياسية التي أصبح يعرفها القريب والبعيد، والحليف والصديق، في ظلّ نظام عالمي متداخل لا يعرف الحدود؟

التمييز ليس خيالا ولا مظلومية تاريخية، بل هو وجعٌ يوميٌ يعيشه الناس، ولن يجني منه الشعب والوطن إلاّ الحصرم. فمع التمييز لا يبقى وطن، ولا تبقى ثقة، ولا يبقى في القلوب إلاّ الأحقاد والضغائن نورثها إلى أطفالنا وأحفادنا، بعد أن أضعنا قيم التسامح التي ورّثها لنا آباؤنا وأجدادنا، فنكون أسوأ جيل.

في ظل التمييز... الكلّ خاسر، ليس هناك غالبٌ أو مغلوب، ولن تنفعنا هذه النفرة العصبية، ولا المماحكات الجاهلية. هدى الله الجميع.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2239 - الأربعاء 22 أكتوبر 2008م الموافق 21 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً