من جديد واستكمالا للمقالات السابقة نواصل القراءات والتحليلات لأغراض ضمان استقرار التجربة الديمقراطية، فإذا ما أريد للتجربة الديمقراطية في البحرين النمو والاستمرار، فيجب أن تعزز بقانون انتخابي يراعي الحقوق العامة المشروعة للمواطنين، ومن أبرزها حق التساوي في أصواتهم الانتخابية، فالمواطنون بنص الدستور متساوون، وإذا ما خالف قانون أو قرار نص الدستور، فإنه قانون أو قرار لا دستوري.
ولم يعد خافيا على أحد، بأن القانون الانتخابي الذي صاغه التيار المحافظ في الحكم جاء لضمان غالبية محافظة تدعم توجهات هذا التيار، وتجعل المجلس رهينة في يده.
وقد كثر الكلام بشأن سوء توزيع الدوائر الانتخابية، وما يشكله من مخالفات صريحة للدستور بتجاوز حقوق العدالة والمساواة بين المواطنين، كما كثر الكلام عن التجاوزات في مراكز الاقتراع العامة التي أوجدها القانون «لغاية في نفس يعقوب».
ومن وجهة نظرنا، فإن المحافظة على التجربة الديمقراطية، وتنميتها، يجب أن تعزز بقانون عادل للانتخابات، يعاد فيه توزيع الدوائر الانتخابية على أساس عادل يساوي بين أصوات المواطنين، ولا يلجأ إلى تفتيت أصوات الناخبين في المنطقة الواحدة ويجعل قيمتها الانتخابية سالبة.
وخير مثال لتفتيت أصوات الناخبين في المنطقة الواحدة، وجعل أصواتها سالبة، لا قيمة لها، أن توزع القرية الواحدة على أكثر من دائرة، وحينئذ لا تستطيع القرية أن تعبر عن رأيها باختيار من يمثلها، لأن ثقلها الانتخابي يتضاءل بتفتيت أصواتها الانتخابية، وهدرها بين أصوات مجمعات سكانية متماسكة.
ما نقصد قوله هو، وجوب تجاوز التوزيع الطائفي لأصوات الناخبين، والإبقاء على قيمة صوت الناخب الذي يستطيع أن يفرزا ممثلا حقيقيا للناخب.
فلا يعقل أن نقفز بمجمع سكني من منطقته الطبيعية، ونزج به في دائرة انتخابية أخرى بعيدة عنه جغرافيا، وليس من المعقول أن نفتت القرية الواحدة إلى دائرتين، أو ثلاث دوائر انتخابية، ونزج بأصوات ناخبيها في دوائر انتخابية لا تغير من واقع تلك الدائرة شيئا.
لقد أفرز هذا التوزيع الجائر للدوائر الانتخابية، عدم اكتراث من ممثلين بلديين ونواب إلى مناطق انتخابية ضمن دوائرهم، لأن ثقلها الانتخابي محدود غير مؤثر في إعادة انتخابهم، وحرم أهالي هذه المناطق من الخدمات البلدية التي تقدمها المجالس البلدية، كما حرموا من فرص اللقاء بممثليهم النيابيين، لأن أصواتهم الانتخابية لا أثر لها في العملية الانتخابية.
وشجع هذا الواقع، على مقاطعة أهالي تلك المناطق على مقاطعة الانتخابات لأنهم لا يجدون بين المرشحين من يثقون به، أو لأنهم يعلمون أن صوتهم لا يزيد ولا يغير في النتيجة المحتمة.
ولا أعتقد أن أحدا يستطيع أن يجادل بشأن قانونية وجود دائرة يتعدى عدد الناخبين فيها عن الخمسة عشر ألف ناخب، ودائرة أخرى لا يزيد عدد الناخبين فيها عن الخمسمئة، والجدل لتبرير هذا بإعطاء أمثلة من دوائر عرقية، أو فئوية، أو دينية، في مجتمعات حضارية متقدمة ديمقراطيا قليلة العدد لها ممثلون نيابيون، لا يقوم حجة.
كما أنه لا يمكن الاعتداد بالقول بخصوصية المنطقة جغرافيا أو تاريخيا، أو بالتخطيط المستقبلي لهذه المنطقة التي سيكون عدد سكانها فيما بعد كبيرا.
والأصل أن التمثيل الانتخابي للسكان لا للمكان، ولو كان للمكان، لجاز أن تتمسك كل منطقة مكانية بحقها في عدد معقول يمثلها بحسب تعدادها السكاني أيضا.
والأصل أن النائب البرلماني، ممثل عام لجميع الشعب، أما الممثل البلدي فيقوم على خدمة منطقة محددة، وأعتقد أن التساوي في الدوائر الانتخابية البلدية والنيابية يضيع حقوق كثير من المواطنين، فماذا يفعل الممثل البلدي للدائرة الكبيرة مقارنة بالممثل البلدي ذي الدائرة الانتخابية الصغيرة؟ وكيف يمكن التلاقي والتواصل بين الممثلين والناخبين في الدوائر الانتخابية الكبيرة، وهو أصل من أصول العملية الانتخابية وشرط من شروطها؟
ودعونا نفترض تقسيم البحرين إلى خمس دوائر انتخابية كبيرة بحسب المحافظات الحالية، وأن يتاح للناخب اختيار ممثليه في هذه الدوائر بحسب الأعداد المحددة لكل محافظة، فما الذي سيتغير؟
أما إذا افترضنا البحرين كلها دائرة انتخابية واحدة، وهو نظام معمول به في بعض البلدان، فأظن أن إفراز العملية الانتخابية سيكون مختلفا.
وأظن أن التيار المحافظ الذي يمتلك القدرة الإعلامية سيعيد محاولته السابقة في التصويت الآلي التي لم يتمكن من تحقيقها في الدورة الانتخابية السابقة بفعل المقاومة الكبيرة التي قامت بها القوى الوطنية والشعبية. والحقيقة أن التصويت الآلي في الانتخابات كلمة حق يراد بها باطل. فلا أحد يجادل في أهمية استخدام التكنولوجيا في إدارة الانتخابات وإحصاء الأصوات، ولا أحد يريد أن تتراجع البحرين عن مصاف الدول العالمية المتقدمة تكنولوجيا، وهي السباقة دائما في مجال الأخذ بالتقنيات الحديثة، ولكن الأمر، في ظل هيمنة التيار المحافظ على عملية إدارة الانتخابات، وسيطرته على العملية التكنولوجية فيها، إذا ما طبقت، سيكون محفوفا بالشكوك التي لا تقل أثرا عن مراكز الاقتراع العامة، وسيكون من الميسور للتيار المهيمن توجيه العملية الانتخابية وفق خط السير الذي يريده، وعندئذ تفقد العملية الانتخابية نزاهتها وحياديتها.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2239 - الأربعاء 22 أكتوبر 2008م الموافق 21 شوال 1429هـ