العدد 208 - الثلثاء 01 أبريل 2003م الموافق 28 محرم 1424هـ

معنى التهديدات لسورية وإيران

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تتواصل التهديدات الأميركية البعيدة المدى لسورية وإيران. الإشارة الأولى كانت من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. الثانية كانت من وزير الخارجية كولن باول في خطاب ألقاه أمام منظمة يهودية ـ أميركية. الثالثة ثابتة كما يقال. وهي متروكة لتوقيت يراه الرئيس جورج بوش. وحين يكرر الرئيس الأميركي الكلام نفسه عن سورية وإيران، فمعنى ذلك أن التهديدات جدية وتؤشر على سوء نية يراد منها أن تضغط في المرحلة الأولى سياسيا ونفسيا قبل أن تنتقل في مرحلة ثانية إلى نوع من الضغوط الاقتصادية وغيرها من أسئلة تتعلق ببرامج التسلح والصواريخ... وربما «حقوق الإنسان» و«الثقافة الديمقراطية».

المنطقة إذا تنتظر ماذا يقول الرئيس بوش عن سورية وإيران، ويرجح أن يترك كلامه لمناسبة أخرى لها صلة بالتطورات الميدانية في العراق. وبقدر ما تتجه القوات الأميركية إلى بغداد وتمكن نفسها في الأرض العراقية وتثبت مواقعها في الجنوب والشمال والغرب، تصبح احتمالات كشف بوش للسر مرجحة.

و«السر» لم يعد سرا، فالكل يعلم أن المشروع الأميركي لا يقتصر على العراق. فهو استراتيجية ممتدة تتسع بحسب الحاجات وتتجه نحو أهدافها من دون اعتبار للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومجموعة الدول الكبرى. حتى الدول الكبرى تبدو حتى الآن غير قادرة على فعل ما هو ضروري لوقف الهجوم الكاسح، ليس ضد الدول العربية فقط، بل ضد دول العالم كله.

نحن إذا أمام وضع دولي جديد تبدأ معالمه بالظهور في «الشرق الأوسط» من خلال فرض الشروط الإسرائيلية على الدول العربية وإلغاء قضية فلسطين من القاموس العربي وإنهاء ما تسميه الأدبيات الأميركية الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فبعد ضرب العراق والسيطرة عليه عسكريا ستكون الدول العربية في وضع أسوأ من الظروف الحالية، وستصبح سورية مطوقة من جبهتها الشرقية ومهددة في أية لحظة بعدوان إسرائيلي (مدعوم أميركيا). إلى سورية سيكون الوضع اللبناني غير مستقر وليس بعيدا عن تداعيات الحرب الأميركية على العراق. أما الوضع الفلسطيني فسيكون الأسوأ وكل الكلام عن «خريطة الطريق» مجرد أوهام لكسب الوقت وشراء الصمت في انتظار ما ستسفر عنه المواجهات القائمة الآن في العراق، ويرجح أن تستمر إلى مدة شهر كامل بدءا من أبريل/نيسان الجاري.

«إسرائيل» بعد ضرب العراق ستكون في وضع أفضل بكثير، ولا يستبعد إذا استمرت التهديدات الأميركية لسورية وإيران أن تعلن بعد نهاية العمليات العسكرية في بلاد الرافدين رفضها لكل الاتفاقات والتسويات والمعاهدات والانسحابات والقرارات الدولية. آنذاك ستكون الدولة العبرية في موقع القوي الذي يفرض شروطه على الجانب الفلسطيني. حتى شخصية مهترئة مثل محمود عباس (أبومازن) لن تكون مقبولة في تلك الظروف التي يتوقع أن تنجم عنها تداعيات الحرب على العراق.

الوضع ليس جيدا. وهذا الكلام لا يقال لتهبيط العزائم وكسر المعنويات، وإنما لإعادة قراءة المستقبل في ضوء تطورات الحاضر وتداعياته. وهذا يتطلب رسم سياسة مضادة منذ الآن. فالمعركة العسكرية قصيرة قد تمتد بضعة أسابيع أخرى، إلا ان الحرب السياسية طويلة يتوقع لها أن تمتد سنوات وسنوات. وحتى تكون الحرب السياسية أكثر فعالية لابد من تثبيت استراتيجيتها العامة قبل وقوع الواقعة الكبرى.

هناك خطوات لابد أن تقوم بها مجموعة الدول العربية في الأمم المتحدة قبل أن يفوت الأوان. حتى الآن هناك صعوبة في جمع مجلس الأمن وإصدار قرار يدين العدوان على العراق ويطالب بوقف النار وعودة القوات إلى الأمكنة التي كانت فيها قبل 20 مارس/آذار ودفع تعويضات عن الحرب التي جرت بالضد من الشرعية الدولية ومن دون غطاء من الأمم المتحدة.

وسبب الصعوبات وجود الولايات المتحدة وبريطانيا في مجلس الأمن وحق النقض ضد أي قرار دولي يدين العدوان. وردا على ذلك هناك فرصة للمجموعة العربية بنقل قضية العراق إلى الجمعية العامة بالتعاون مع الدول الإسلامية ومجموعة عدم الانحياز والدول الكبرى وإصدار قرار دولي غير ملزم للولايات المتحدة، ولكنه يحدد السقف الدولي الرافض لكل النتائج السياسية المترتبة عن العدوان.

هذا القرار على رغم «قلة» أهميته القانونية (الالزامية) فإنه ضروري سياسيا لأنه يقطع الطريق على شرعية (أو تشريع) الاحتلال، وينزع عنه أية صفة دبلوماسية في المستقبل. والأهم من ذلك أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يعطي صفة شرعية دولية للمقاومة العراقية (والعربية) للاحتلال الأميركي ويمنع الدول المحتلة من اتهام المقاومة بالارهاب، كما بدأ الإعلام الغربي يشير إلى العمليات الاستشهادية التي تمت ضد الوجود العسكري الأميركي في جنوب العراق وحول مدنه.

قرارات الجمعية العامة لا تملك صفة قانونية إلزامية، إلا انها تملك مشروعية دولية تعطل إمكانات استفادة الولايات المتحدة من سطوها على العراق وثرواته وينبّه الدول الكبرى المتضررة من الاحتلال إلى خطورة الاستراتيجية الأميركية في المنطقة ودور «إسرائيل» في صنع مستقبلها وصوغ شخصيتها السياسية والتاريخية.

«إسرائيل» بعد ضرب العراق ستكون في وضع أخطر من السابق، لأنها المستفيد الأول من فترة الاحتلال الأميركي لبلاد الرافدين، وهذا يعني انها ستكون أكثر رفضا للحلول السلمية وأكثر شراسة في الاستعداد لتنفيذ مشروعها الخاص تحت مظلة أميركية تحرس أمنها وتساعدها على تحقيق غاياتها وأهدافها.

إذا، هناك تهديدات أميركية مبطنة لسورية وإيران، وهذه التهديدات ليست جديدة ولكنها تكشف «سر» الحرب الجارية الآن في أرض العراق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 208 - الثلثاء 01 أبريل 2003م الموافق 28 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً