العدد 204 - الجمعة 28 مارس 2003م الموافق 24 محرم 1424هـ

هل لحوادث التضامن مع الشعب العراقي علاقة بالوضع الداخلي؟

مسئولية الجمعيات والرموز السياسية في موضوع الحرب

سلمان عبدالحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب

لا شك في صدق مشاعر الناس هنا في البحرين تجاه القضايا العربية والإسلامية، ولا شك ايضا في ان موجة الغضب الشعبي هي واحدة من الهبات التي نسمع بها على طول الشارع العربي وعرضه. لكن لهذا البلد خصوصيته في التعاطي مع القضايا، وتحديدا في ظل أجواء الانفتاح وحرية التعبير، فقد التزم رموز هذا البلد وجمعياته السياسية السلوك السلمي في التعبير عن مواقفهم، سواء المتعلقة منها بالداخل، أو المتعلقة بقضايا فلسطين أو العراق، حفاظا على النسيج الوطني الواحد والمكتسبات التي تحققت في ظل التقارب الرسمي الشعبي، على رغم التجاذب السياسي الحاد أحيانا، فإن الايقاع السلمي لكل هذه التحركات هو الحاكم في نهاية الأمر.

والسؤال: لماذا بدا الرموز وكأنهم عاجزون عن ضبط حركة المسيرات السلمية باتجاه السفارتين الاميركية والبريطانية، لتتحول إلى مصادمات وموجات عنف شبيهة بالكر والفر؟ هل لأن الناس يريدون التمرد على قرار الرموز وكسر كلمتهم؟ أم أن في الأمر شيئا يختلف تماما عن هذا التصور البسيط للقضايا؟

ان الناس محكومين بضوابط المجتمع في تعاطيه مع مختلف قضايا الساحة، لكن توجد ملاحظات اساسية في تفسير ما جرى، ويمكن ان تسهم في تشخيص الخلل وعلاجه، وهي تحتاج في الدرجة الاولى إلى مزيد من تواضع كل الأطراف، وخفض الرأس قليلا، لقياس حجم العاصفة التي تجتاح جيل الشباب هنا وهناك. ومن الواضح وجود تدافع أولويات في العمل السياسي والاجتماعي في البحرين، فهذا يريد ان يذهب بك شمالا، وذاك يريد ان يذهب بك يمينا، إضافة إلى برامج عمل متباينة يراد لها جميعا ان تجرب فوق رؤوسنا، وهناك مستوى من الضيق بالآخر وكأن الساحة لا تتسع إلا لصوت واحد، في حين أنك تسمع أصواتا شتى ولا تفهم منها شيئا لأنها تأتي جميعها دفعة واحدة، وهذا ما يجعل مركزية القرار والقدرة على التحكم في مثل هذه اللحظات صعبة جدا، لأن الناس لا تعرف إلى من تسمع ومن تطيع، والحاجة ماسة في الوقت الحالي إلى أن يتواضع أصحاب النظريات والرؤى المتباينة، وينتهوا عن تجريب نظرياتهم وبرامجهم فوق رؤوسنا، ويجب العمل على ايجاد إطار وطني جامع، لتقريب وجهات النظر بصورة عاجلة لا تحتمل التأجيل ولا التنظير، لمختلف الأطياف الوطنية الصادقة في المجتمع.

في الاطار الاسلامي، وتحديدا التجاه الماسك بزمام الجماهير، في هذا الاطار ينبغي توفير المناخ الكامل للمراجعة الذاتية الجادة. فماذا تعني مصادمات في هذه الدرجة من الحدة مع وجود رموز من العيار الثقيل تدعو إلى السلوك السلمي في الاعتصامات والمسيرات؟

إنه يعني أن مستوى التذمر من تدافع الأولويات، وخصوصا داخل البيت الإسلامي، قد وصل اوجه، وأن الناس لم تعد تتحمل التوجيه في ظل تناقضات الخطاب وتدافعه، لهذا فهي تسلك هذا السلوك لتقول لنا بصراحة: تواضعوا وأصلحوا أمركم.

لو رجعنا قليلا إلى فترة المبادرة التي كان الشيخ عبدالامير الجمري - حفظه الله وأرجعه سالما - على رأسها، لوجدنا ان هناك التزاما كاملا بتعليمات أصحاب المبادرة، على رغم عدم وضوح الرؤيا من المبادرة نفسها، وعدم وجود تعاط رسمي مع مطالب الشيخ الجمري وصحبته، فإن سياق العمل المنظم قد ولد إحساسا بضرورة الانقياد على رغم الكثير من التحفظات. والآن... وفي ظل الاعتراف الرسمي بالحركة السياسية، ووضوح معالم النهج السلمي، والتصريح به علنا باعتباره خيارا للحركة السياسية، يحدث ما يحدث من مصادمات مؤسفة، هذه المساحة المضاءة بخلل الاسلوب في التعاطي مع الجماهير، تسقط نفسها بقوة على تدافع الاولويات وتضارب الخطابات في الداخل الاسلامي تحديدا، ما يعني عدم انصياع الجماهير لأنها لا تعرف إلى من تنصاع.

نقطة اخرى يمكن فرزها من هذا الحدث، وتدخل ايضا اشكالية التعاطي مع الجماهير، وهي ان الجماهير والنخب الشبابية تحديدا، لم تعد مغمضة العينين عما يجري في الساحة، بل ان الكثير منها اصبح مميزا إلى درجة الرشد والاختيار للطريق الذي يجب ان يقطعه ويرى فيه ميلا وأنسا، والواقع ان الرموز والجمعيات مازالت تتعاطى مع الشباب من منطلق تملكها لهم، اي وقت ما نريدكم ندعوكم، ووقت ما نحن لسنا بحاجة إليكم، دعونا لتكتيكاتنا البينية وانتظروا الاشارة منا في مسيرة أو ندوة أو غير ذلك. ولا أدل على هذا الواقع من المسيرات التي تنظمها الجمعيات السياسية بخصوص فلسطين أو العراق أخيرا، إذ تجدها مسبوقة بتعليمات صارمة اشبه بالتهديد، من دون ان تدخل إلى وجدان أو عقل هذا الشاب المشارك في المسيرة، وهذا يسلط الضوء على ازمة خطاب حادة قد تصل إلى مستوى القطيعة النفسية والشعورية وحتى الفكرية والمنهجية بين الرموز والجمعيات السياسية والجماهير، ما يتطلب من الجمعيات السياسية والرموز دراسة نفسية الشباب، وطبيعة توجهاتهم وميولهم لتكون لهم القدرة على مخاطبة عقول الشباب وقلوبهم. ولا شك في أن هذه القطيعة ليست في صالح الأمن والاستقرار في البلد، ويتوقع من الرموز ان تتواضع قليلا لهؤلاء الشباب، وتحاول الانفتاح عليهم وتقريبهم إليها اكثر من إصدار الاوامر التي لن تكون مطاعة إذا نفر منها الشاب، وعدَّها تقزيما لطاقته وقدرته على الابداع.

المسيرات التي تنظمها الجمعيات السياسية قد تكون السبب وراء عقلية الصدام في المسيرات السلمية، ويمكن ان نوجه الملاحظتين الآتيتين:

1- يوجد إحساس عند غالبية الشباب بأن تنظيم هذه المسيرات هو هروب من أعباء الواقع السياسي المحلي والتزاماته، اي الهروب إلى الأمام، وكثير من الملاحظات تشير إلى ان اختيار موقع المسيرة عند الأمم المتحدة، يدل على عجز في إيصال الرسالة المطلوبة، لأن الأمم المتحدة عاجزة فعلا عن ردع الكيان الصهيوني واميركا، وبالتالي فإن التوجه إليها هو بمثابة التواري الخجول عن الالتزامات تجاه القضايا المحلية والعربية والاسلامية... هذا الاحساس له ما يبرره داخليا، لكن على مستوى المسيرة نفسها، يمكن لها ان توظف مخزون الحماس الشبابي، اذا ما تمت إدارة المسيرة بشكل متزن ومنظم.

2- ما يزيد الطين بلة، ان هذه المسيرات اشبه بالمحاصصة السياسية، اذ يجب ان يكون لكل طيف فيها نصيب من الشعارات الخاصة والتمثيل الرسمي، وهذا ينعكس على اداء المسيرة وقدرتها على توصيل الرسالة، وخصوصا إذا ما علمنا ان حاضري هذه المسيرة لا يعترفون بالمحاصصة السياسية، ولا بمجاملات الجمعيات السياسية لبعضها بعضا، لذلك يلاحظ من يراقب المسيرة، ان الشعارات التي تنطلق من الميكروفون في واد، وهتافات الناس في واد آخر. لذلك توجد حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة التنظيم الاداري للمسيرة بما يتوافق ومشاعر الناس وطبيعة الاهداف التي تحملها الجمعيات، لكي لا يعزز منطق الهروب الذي يتصوره الناس، ويجعلهم في النهاية يلجأون إلى اساليب اخرى كما حدث أمام السفارة الاميركية والبريطانية.

ان الالتفاف حول القضايا الوطنية والعربية والاسلامية، يتطلب إدارة تستطيع التوفيق بين المزاج العام وعدم تجاهله، إضافة إلى مراعاة الاطياف المختلفة من دون اللجوء إلى المحاصصة السياسية التي لا تنم في غالبيتها عن مرونة سياسية بمقدار ما تنم عن عدم قدرة على انتاج إطار موحد ومتنوع

إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"

العدد 204 - الجمعة 28 مارس 2003م الموافق 24 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً