عجبت لامرأة كيف تشغل تفكيرها وتطلق لخيالها العنان في هذه وتلك. مجرد تصورات تخلقها وتنسجها لتعذب بها النفس والروح معا ولتربك بها مسيرة حياتها الزوجية وبالتالي تحدد أمن واستقرار أسرتها الهادئة. هي تلهث من دون إدراك منها وراء البحث عن أدلة تثبت خيانته. وإن لم تجدها، صنعتها بيديها، وبكت منها وبنت عليها من الشك والوهم ما يدمر حياتها... تلك هي الغيرة العمياء في حياة معظم النساء.
حين عودته من العمل يجدها غاضبة متربصة عابسة الوجه... تتحرك هناك وهناك بصورة عصبية متوترة بانتظار سؤاله المعتاد: ما بكِ يا عزيزتي؟ لتنفجر كالبركان وتطلق حمم شكوكها وغيرتها: أين كنت؟ لماذا هاتفك مغلق؟ طبعا لا تريد إزعاجها بصوتي!... لماذا كل هذا التأخير؟ ألا تشعر بي وأنا بين جدران أربعة أنتظر عودتك؟... والويل كل الويل له إن لم يجبها عن كل سؤال وبالتفصيل الممل. انهالت عليه بالاتهامات، قائلة: طبعا لا تريد أن تفسد إحساسك بالسعادة بالرد عليّ... لا بأس تمتع بأحلامك وبأوقات سعيدة قضيتها هناك، أليس كذلك؟! ولكنني يجب أن أعرفها، وسأعرفها حتما... وتقترب بعصبية بالغة لتأخذ هاتفه المحمول من يده وتبدأ في قراءة الأرقام واحدا بعد الآخر، عليه أن يجيب عن كل سؤال... وحين وصلت إلى رقم منزلها وجدته غريبا فاختارته من بين الأرقام لتطلب منه الاتصال به لتعرف من هي صديقته الجديدة. وكان لها ما أرادت وبدأ يدير الرقم، وهنا سمعت هاتف البيت يرن فقالت بتهكم: ما إن تحضر إلى البيت حتى تتوالى المكالمات وكأنها تعرف أنك موجود، وترفع السماعة بغضب قائلة: نعم، إنه غير موجود. فيجيبها ببرود: إنني موجود يا زوجتي العزيزة.
وليت الأمر ينتهي هنا، فما إن يغيّر ملابسه ويعود ليقضي وقتا معها، حتى تتسلل خلسة إلى غرفة النوم لتلتقط كل ما بجيبه من أوراق وتقرأها، وتحسب نقوده لتعرف كم صرف، وتشم رائحة ثيابه فربما عطر نسائي قد علق بها، والويل له إذا عثرت على رقم أو عنوان أو أثر يدل على أنه كلّم هذه أو قابل تلك.
سيدتي حرام عليكِ أن تفسدي لحظات جميلة، بإمكانكِ التمتع بها واستغلالها في خلق جو مبهج حالم هادئ ينسي زوجكِ ما عاناه طوال اليوم من جهد وتعب وهموم. إنه يحتاج إليك يا سيدتي. انشغلي بشئونكِ ودعكِ من مطاردته. إنكِ تعبثين بسعادتك وتطردينه من جنتكِ... وليكن في حسبانك أن الرجل لا يقبل القيد حتى وإن كان قيد حب وحنان... وهو يكره التحقيق في كل كبيرة وصغيرة، فحبكِ وحنانكِ واهتمامكِ وحسن معالجتكِ للأمور تحول دون أن تكون في حياته امرأة أخرى، فلا تبحثي في حقائبه إذا عاد من سفره ولا ترهقي نفسك مادمت أنت زوجته وأم أولاده، إنه لا يطمع في الكثير، قليل من الدفء والحنان محاط بالهدوء والاستقرار، وأنتِ فقط تملكين مفتاح جنته
العدد 202 - الأربعاء 26 مارس 2003م الموافق 22 محرم 1424هـ