عدد من النصوص الدينية والتشريعات الدولية (بدءا بالاعلان العالمي لحقوق الانسان) تتحدث عن الفطرة الانسانية، ويشير الاعلان العالمي الصادر عن الامم المتحدة في العام 1948 الى حقوق اطلق عليها تعريف (INALIENABLE RIGHTS) وهي حقوق اساسية لا يمكن التنازل عنها ولا يسمح باصدار قوانين او ضوابط تؤثر عليها.
وتعتبر هذه الحقوق الاساسية فوق السلطات التشريعية ولا يسمح لأي برلمان يتعهد باحترام حقوق الانسان الاعتداء عليها، بل انها يجب ان تتخذ منطلقا لاصدار تشريعات وقوانين وضوابط وقرارات. واهم الحقوق الاساسية غير القابلة للنقاش هي الحق في الحياة الكريمة والحق في التعبير عن الرأي بصورة سلمية والحق في الامان الشخصي وحماية النفس من الايذاء والتعذيب والاهانة والحق في احترام الملكية والحق في المساواة امام القانون (القانون الذي لا يخترق اي من الحقوق الاساسية).
والحوار بشأن حكم القانون قديم ويمتد إلى اكثر من خمسة وعشرين قرنا. فالفيلسوف سقراط حكم عليه بالاعدام لسبب تافه، وكان من المؤمنين بصورة مطلقة بحكم القانون ورفض الهرب من حكم الموت، وشرب السم كما فرضت عليه محكمة منتخبة في اثينا عندما كانت تحكم باسلوب معين اطلق عليه مصطلح الديمقراطية.
وقد كان هذا احد اسباب كفر الفلاسفة الاخرين، كأفلاطون وارسطوا وغيرهما، الذين دعوا للتخلي عن الديمقراطية وحكم القانون النابع منها واستبدال ذلك بحكم الفلاسفة الفاهمين والارستقراطيين الذين يفهمون افضل من غيرهم ما هو مناسب لحياة الناس، وبالتالي فإن قوانينهم افضل.
هذا الجدل حسم قبل قرابة القرنين ونصف القرن على مستوى العصر الحديث، عندما بدأت الانسانية تتحدث عن حقوق الانسان كمقدمة اساسية للديمقراطية. ولذلك فإن الحديث يتركز دائما على حقوق الانسان والديمقراطية، لان الديمقراطية لوحدها قد تقضي على حقوق الانسان. فقد يصوت برلمان معين على حرمان اقلية معيّنة تعيش في البلد الذي يمثله البرلمان، والبرلمان قد يظلم المرأة ويفرض عليها شروطا قاسية، والبرلمان قد يقع تحت ضغط ظروف سياسية وبالامكان ان يوافق على قانون مشابه لقانون امن الدولة... الخ.
القانون الديمقراطي هو القانون الذي لا يعتدي على حقوق الانسان ايضا. وحكم القانون الذي يحقق السلم الاهلي ويحقق التنمية هو الحكم القائم على احترام الحقوق الاساسية لبني البشر. وهذا الاشكال هو الذي وقعت فيه بلدان اخرى الغت قوانين الطوارئ ومحاكم امن الدولة، ولكنها شرعت قوانين (من خلال البرلمان) واصدرت قرارات (من خلال القضاء) جميعها تحد من حقوق الانسان، وتحولت الاوضاع من حكم دكتاتوري علني إلى حكم دكتاتوري يتستر بالعملية الديمقراطية.
وكان هذا الحوار هو جوهر ندوة عقدناها في بريطانيا بعد فترة وجيزة من التصديق على ميثاق العمل الوطني في فبراير/ شباط 2001، وحضر تلك الندوة مفكرون وقياديون في المعارضة من بلدان عربية، وهؤلاء كانوا يطرحون تجاربهم التي مروا بها، اذ اشار احدهم إلى ان المعارضة في بلده تمنت عودة قوانين الطوارئ لانها ارحم من القوانين التي صدرت بعد الغاء تلك القوانين، مع فارق ان هذه القوانين الصارمة تتلبس لباس الديمقراطية والعملية التشريعية القائمة على الانتخاب.
والحديث هذا بالنسبة لنا ضروري لأننا نمر في مرحلة تأسيس حياة عامة تسعى لحفظ حقوق المواطنين وتفسح المجال امام الحريات العامة التي تحقق لنا الامن والاستقرار والتنمية المستدامة، وهذا يتطلب فهما متكاملا متفقا عليه بين جميع الهيئات التشريعية والقضائية والتنفيذية بالاضافة لقوى المجتمع المدني والصحافة والقطاع الخاص. فجميع هؤلاء يلزمهم الاتفاق على عدم اختراق حقوق الانسان الاساسية تحت اي عذر من الاعذار أو بحجة تنفيذ حكم القانون.
إننا مع الانفتاح ومع كلمة القانون ومع ضبط الامور ومع الاستقرار ومع عدم افشاء الاسرار الضارة بالوطن، ولكن يجب ان يتم كل ذلك في اطار حقوق الانسان وليس من خلال اختراق حقوق الانسان
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 202 - الأربعاء 26 مارس 2003م الموافق 22 محرم 1424هـ