العدد 202 - الأربعاء 26 مارس 2003م الموافق 22 محرم 1424هـ

كل ما نريده «أبا وأما» يكونان موجودين في اليوم التالي

كلمة شارلوت التي فاقت بلاغة خطب بوش

الوسط - المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

كانت الكلمة التي ألقتها شارلوت الديربون (12 عاما)، الطالبة في مدرسة كننغهام المتوسطة في بريسك ايل بولاية ماين الأميركية، أمام 150 شخصا من سكان منطقة اروستوك في 15 فبراير/ شباط الماضي، وهو اليوم الذي جرت فيه تظاهرات عالمية ضد الحرب في العراق، وشارك فيها الملايين من سكان العالم، صغارا وكبارا، أكثر بلاغة، وإيلاما من كل ما يتلفظ به في مختلف وسائل الإعلام، وأكثر حرارة وصدقا من رزمة الخطب التي يلقيها سيد البيت الأبيض.... نوردها هنا كاملة... فالأطفال هم الأكثر صدقا دائما... وفيما يلي نص الكلمة:

«عند ما يفكر الناس في قصف العراق، فانهم لا يرون سوى صورة لصدام حسين في زي عسكري أو ربما لجنود ذوي شوارب سوداء كبيرة يحملون مسدسات أو فسيفساء جورج بوش الاب على أرضية ردهة فندق الرشيد مكتوب عليها كلمة (مجرم). ولكن هل تعرفون ان نصف شعب العراق البالغ عدده 24 مليون نسمة هم من الأطفال الذين لم يبلغوا الخامسة عشر من العمر بعد.

اي ان هناك 12 مليون طفل. أطفال مثلي، أبلغ الآن 13 عاما تقريبا، وهكذا فان بعضهم اكبر مني بقليل وبعضهم أصغر مني بكثير، بعضهم اولاد وبعضهم لهم شعر بني وليس أحمر مثل شعري ولكن الأطفال الذين يشبهونني لا يختلفون عن باقي الأطفال. انظروا الي مليا لأنني انا من يجب ان ترون حين تفكرون في قصف العراق. انا من ستقتلون».

اذا كنت محظوظة فسأقتل في الحال مثل الثلاثمئة طفل الذين قتلوا بقنابلكم العنيفة في أحد ملاجئ بغداد في 16 فبراير 1991.

كان سبب الانفجار حريقا قويا أحرق هؤلاء الأطفال وامهاتهم بطريقة بشعة، بحيث انه لا يزال بالامكان رؤية آثار جلدهم المحترق على الحجارة كتذكار على الانتصار.

ولكن قد لا أكون محظوظة فأموت ببطء مثل علي فيصل البالغ من العمر 14 عاما الموجود الآن في جناح الموتى في مستشفى الأطفال ببغداد. وهو يعاني من سرطان ليمفاوي خبيث بسبب اليورانيوم المخصب الموجود في القذائف التي استخدمتموها في حرب الخليج. أو ربما أموت وأنا أتألم كما مات مصطفى البالغ من العمر 18 شهرا الذي افترست اعضاءه الطفيليات. اعرف انه من الصعب عليكم تصديق ان علاج مصطفى يستلزم دواء لا يكلف سوى 25 دولارا ولكن هذه الأدوية غير موجودة بسبب عقوباتكم.

وقد لا أموت بل أعيش لسنوات وأنا احمل الأذى النفسي الذي لا يمكنكم ان تروه من الخارج مثل سلمان محمد الذي لا يستطيع لحد الآن ان ينسى الرعب الذي مر به مع أخواته الصغيرات عندما قصفتم العراق في العام 1991. فجعل والد سلمان العائلة كلها تنام في الغرفة نفسها لكي ينجوا معا او يموتوا معا. ولايزال سلمات يعاني من كوابيس صفارات الانذار التي تسبق الغارات الجوية.

وربما أصبح يتيمة مثل علي الذي كان في الثالثة من العمر عندما قتلتم أباه في حرب الخليج. علي يزور قبر ابيه يوميا لسنوات وينبش التراب مناديا أباه قائلا «اخرج يا ابي فالرجال الذين وضعوك هنا ذهبوا» انت مخطئ يا علي فيبدو ان هؤلاء الرجال سيعودون مرة أخرى.

وقد أنجو من كل هذا مثل لؤي ماجد الذي يتذكر ان حرب الخليج كانت تعني بالنسبة له انه لا يجب ان يذهب الى المدرسة وان بامكانه ان يسهر كيفما يشاء ولكنه اليوم بعد ان حرم من التعليم يحاول ان يعيش عن طريق بيع الصحف على الشارع.

تخيلوا ان يكون هؤلاء أطفالكم أو أطفال اخوانكم أو اخواتكم او جيرانكم. تخيلوا ابنكم يصرخ الما بسبب الجراح التي تغطي اوصاله ولا تستطيعون عمل شيء له لتخفيف الألم او لتهدئته. تخيلوا ابنتكم تصرخ من تحت انقاض مبنى ولكنكم لا تستطيعون الوصول لها. تخيلوا اطفالكم تائهين في الشوارع جوعى ووحيدين بعد ان شهدوا موتكم امام اعينهم.

هذه ليست أحداث أحد أفلام المغامرات أو الخيال أو لعبة فيديو. هذه حقيقة الأطفال في العراق. حديثا قامت مجموعة دولية من الباحثين بزيارة العراق لتطلع على حال الأطفال هناك ولكن عملها تعرقل بسبب الحرب. نصف الأطفال الذين تحدثوا اليهم يقولون إنهم لا يرون فائدة من الحياة. حتى الأطفال الصغار جدا يعرفون عن الحرب وهم قلقون بشأنها. يصف عاصم البالغ من العمر خمسة أعوام بأنها مسدسات وقنابل وبأن الهواء سيصبح باردا وحارا واننا سنحترق بشدة. أما اعصار البالغ من العمر عشرة أعوام فانه يود نقل رسالة إلى الرئيس بوش يريد من خلالها ان يعلمه أن الكثير من الأطفال العراقيين سيموتون وانه سيرى ذلك على شاشات التلفزيون وسيندم حينها.

عندما كنت في المدرسة الابتدائية تعلمت كيف أحل المشكلات مع الأطفال الآخرين ليس عن طريق الضرب او الشتم ولكن بالحديث واستخدام رسائل الأنا. وفكرة رسائل الأنا هي جعل الطرف الآخر يفهم كيف جعلك تصرفه السيئ تشعر مما يجعله يتعاطف معك ويتوقف عن سلوكه المؤذي. الآن سوف اعطيكم احدى رسائل الأنا هذه لكنها هذه المرة ستكون رسالة نحن. نحن اي أطفال العراق الذين ننتظر بضعف وعجز حدوث الاسوأ. نحن أطفال العالم الذين لا نقرر اي شيء لكن يجب علينا ان نتحمل النتائج». نحن ذوي الأصوات الصغيرة والبعيدة التي لا يمكن سماعها.

نشعر بالخوف عندما نعلم اننا قد لا نعيش يوما آخر. نشعر بالغضب عندما يريد الناس ان يقتلونا او يجرحونا او يسرقوا مستقبلنا. نشعر بالحزن لأن كل ما نريده هو أم وأب نعلم انهما سيكونان موجودين في اليوم التالي. وأخيرا فإننا نشعر بالحيرة لأننا لا نعرف حتى ما اقترفناه من خطأ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً