العدد 200 - الإثنين 24 مارس 2003م الموافق 20 محرم 1424هـ

صدام يحث رجاله على الصبر عند اللقاء

اثنى صدام حسين في كلمته امس على الرجال والأبطال، وبدا لأول مرة رحيما تجاه شعبه. فقد انبرى في ذكر قائمة ضباط الجيش العراقي والبحرية العراقية الذين يقودون المقاومة ضد الغزو الانجلو - أميركي في أم قصر والبصرة والناصرية: اللواء مصطفى محمود عمران قائد الفيلق الحادي عشر، والعميد بشير أحمد عثمان قائد الكتيبة 45 العراقية، والعميد علي خليل ابراهيم قائد الكتيبة الحادية عشرة، والكولونيل محمد خلف الجاباوي قائد الكتيبة 45 من الفيلق الثاني، والكولونيل فتحي راني مجيد من الفيلق الثالث الخ...

وحثهم صدام على الصبر «عند اللقاء» وردد هذه العبارة كثيرا جدا. كما حث جميع الشعب على المجابهة، مضيفا «سننتصر... سننتصر ضد الشر». ويبدو واثقا من النصر.

أليس ذلك ما حث عليه بوش شعبه قبل ساعات قليلة من خطاب صدام؟

ومرة أخرى، بدا صدام متمثلا ببطله جوزيف ستالين، اذ مضى الرجل يحث العراقيين: يجب ان نقاومهم وندافع عن مواطنينا ووطننا... اقطعوا رقابهم. جاءوا لأخذ أرضنا. ولكن عندما يحاولون دخول مدننا، يحاولون تجنب المعركة مع قواتنا ...

يتعجب المرء من هذا النوع من القتال على نموذج للحرب القومية العظمى، والدفاع عن روسيا الأم تحت قيادة أنكل جوي. وان لم تكن كذلك، كيف نصفها - دعونا نتحدث بصراحة - من خلال شجاعة مئات الجنود العراقيين الذين مازالوا مسيطرين على زمام الأمور تحت الهجمات الاميركية الجوية والبرية.

الشعب والحزب والوطنية ثلاثة شعارات لها لحن موسيقي في كلمة صدام المتلفزة، اذ حذر ان القوات المعتدية ستستخدم قوتها الجوية ضد العراق بوحشية.

ثم جاءت بعد ساعات من كلمته صواريخ كروز والطائرات الضارية لتضرب المدينة. هزت التفجيرات جميع انحاء المدينة بغداد. أحد صواريخ توماهوك أصاب جامعة المستنصرية فجرح 25 طالبا وقتل طالبا واحدا حسبما ذُكر.

هناك أصوات انفجارات أخرى في الساعات المبكرة. صوت سلاح أوتوماتيكي على كورنيش دجلة في محاولات للقبض على طيارين اميركيين هاربين، كما تجزم بقول ذلك السلطات العراقية. ثم صوت قعقعة معركة كاملة ليس بعيدا عنا في الساعة الثانية والنصف وسط المدينة. هناك شائعات ... رجال مسلحون جاءوا من مدينة صدام - الاحياء الفقيرة - وتم اعتراضهم بواسطة رجال أمن الدولة. «وليست هناك تأكيدات مستقلة للخبر». ثم تم نفي قطع خط السكة الحديد شمال بغداد وهي قصة كانت متداولة.

ولكن المعلومات الاحصائية العسكرية الآتية من السلطات العراقية تجعل المعلومات الآتية من القيادة الوسطى للتحالف مضللة. على سبيل المثال في ليلة الأحد، أورد وزير الدفاع العراقي الجنرال سلطان هاشم شرحا مقتضبا عن الحرب، مسميا وحدات مشتركة في الخط الأمامي للقتال - الكتيبة الثالثة من الفرقة 27 مازالت تسيطر على السوق في الناصرية، ومازالت القوات العراقية تسيطر على البصرة. وأذكر ان امثال هؤلاء الجنرالات كانوا قد أدلوا بتصريحات توضيحية اثناء الحرب المرعبة مع ايران ما بين 1980 و1988. وعندما نقوم بمراجعة وفحص تقاريرهم نجدها حقيقية وصحيحة.فهل ينطبق ذلك على ما أورده الوزير الآن؟

يجزم الجنرال هاشم مرارا ان رجاله دمروا دبابات ومدرعات ومروحيات. وكان من السهل تكذيب تلك الانباء حتى عرض شريط فيديو يظهر ناقلات جنود اميركية وهي تحترق على شاشة التلفاز.

وكان نائب الرئيس، طه ياسين رمضان واضحا، بما فيه الكفاية في عرض الأوامر العراقية في المعركة وتكتيكات الجيش العراقي. اذ قال إن من السياسة العراقية ان تسمح للقوات الاميركية - البريطانية بالتقدم داخل الصحراء بقدر ما يستطيعون ثم مهاجمتها عندما تريد دخول المدن العراقية. ويبدو ان الأمر مطبق على ارض المعركة.

فيما يتعلق ببغداد، التي يغطيها دخان النفط الأسود بالاضافة الى صافرات الانذار من الغارات الجوية، تبدو الخطة الاميركية مماثلة للخطة العراقية: التعمد في دخول الصحراء الموازية لنهري دجلة والفرات ومن ثم التحول يمينا على كل مدينة متاحة في الطريق. اذا كانت هناك صعوبات في أم قصر تحاول القوات المتحالفة السيطرة على البصرة واذا كانت البصرة حصينة تحاول الناصرية. اما اذا كانت هناك خطورة على كل هذه المدن فتكون الجولة على النجف.

ولكن يبدو ان المقولة بأن الطريق المفتوح الى بغداد يصطف عليه عراقيون يرمون قوات التحالف (اصحاب تومي) بالورود مجرد وهْم. وكان يفترض بحلول هذا اليوم ان يكون الاميركيون على مسافة 20 ميلا من بغداد ولكن باللغة العسكرية ما لم تمهد طريقها جيدا ربما ستعود الى الكويت.

ولكن بلغة الاميركيين والبريطانيين يعتبر ما اقوله تشاؤما. غير ان ومن خلال وجود المرء في بغداد يدرك تماما كيف ان الاميركيين والبريطانيين يسيئون التقدير. ولك ان تخمن كيف ان صدام وأعضاء حزب البعث سيصمدون في مدينتهم.

تكتيكات صدام مماثلة لتكتيكات ستالين. الصمود وعدم التراجع، فكل يوم يمر يمثل مزيدا من الألم لواشنطن ولندن. لقي نحو 72 مدنيا حتفهم اذا كانت تلك الاحصاءات صحيحة، ولم تعد مجزرة من قبلنا ولا تمثل مفاجأة لنا. البصرة تحت نيران المدفعية البريطانية واصبحت من دون كهرباء ومن دون ماء منذ 72 ساعة.

حتى الآن تبدو الأمور وكأن الاميركيين والبريطانيين الذين يُنزفون من أجل تحرير شعب لا يرغب في ان يحرر بواسطتهم. مشكلة أخلاقية طبعا. ولكنهامشكلة أخلاقية كبرى اذا كانت معاناة العراقيين على أيدي الاميركيين والبريطانيين انما هي من أجل السيطرة على النفط.

خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 200 - الإثنين 24 مارس 2003م الموافق 20 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً