يعتبر الاحساس بالتضامن مع شعب العراق المحاصر عنصرا أساسيا للحركة المناهضة للحرب. هذا الاندفاع نحو التضامن والرغبة القوية في منع الاذى عن العراقيين يمثل ضرورة. ولكن التضامن مع الشعب العراقي يجب ان يتجاوز معارضة الحرب البسيطة. فعلى الحركة المناهضة للحرب ان تعبر عن هذا التضامن ايضا بالرفض الذي لا لبس فيه للحكم الحالي في بغداد، المسئول عن الجرائم الوحشية المنتظمة ضد المواطنين العراقيين.
ربما لا تكون الحرب التي تقودها الولايات المتحدة هي الطريقة المثلى لانجاز الهدف المتمثل في اسقاط حكومة الطاغية صدام حسين أو فرض سلطة سياسية تكفل احترام حقوق الانسان الاساسية، ولكن التضامن مع العراقيين يتطلب التزاما بدعم جهودهم للحصول على مثل هذه الحقوق. وهذا يعني ان نأخذ بجد الحاجة إلى حماية اعداد ضخمة من العراقيين من السلب والنهب المستمرين اللذين تمارسهما هذه الحكومة.
ومما لا شك فيه ان سجل العراق لحقوق الانسان من بين أسوأ السجلات في العالم. فمنذ ان جاءت الحكومة الحالية إلى السلطة في العام 1968، قمعت من دون رحمة الحقوق المدنية الاساسية والسياسية في العراق وتقاسمت المسئولية عن الكارثة الانسانية الممتدة لأكثر من عقد من العقوبات.
وأثارت الحروب - بالعدوان على ايران ومن ثم الكويت والعقوبات المفروضة من الامم المتحدة والكبح والقمع السياسي المنظم - معاناة قاسية واضطرابا فعليا بين جميع قطاعات الشعب العراقي. اذ يعيش الآن اكثر من خمسة ملايين عراقي - أي 20 في المئة من السكان - في الخارج. وقدر المجلس النرويجي للاجئين حديثا ان ما بين 700 ألف ومليون عراقي مشردون داخل العراق.
في العراق تحت سيطرة صدام حسين لا يمارس أحد - عربي أو كردي، سني او شيعي، رجل أو امرأة - حقوقه السياسية الاساسية مثل حرية التعبير او التجمع. فهذه السياسة محرمة كلية. وفرضت الحكومة احكاما بالاعدام على «جرائم» سياسية غير عنيفة مثل تعيين عضو حزب بعث حالي او سابق في أية منظمة سياسية اخرى، او الاساءة جهرا للرئيس او الحزب. وليست هناك اجراءات حماية مثل الحق في محاكمة عادلة او الاتصال بالاسرة او المحامي.
ويخضع المواطنون الى الاعتقال التعسفي، والتعذيب والتشويه. فقد نشرت المجموعات المعارضة، تقارير موثقة بإعدام النظام المئات - واحيانا الآلاف - سنة بعد سنة. ومنذ العام 1998، عندما صادق مكتب الرئيس على توجيهات بتكوين «لجان اشرافية» على تفريغ السجون العراقية، نفذت الحكومة اعدامات ضخمة عاجلة في معتقلين سياسيين. وتولد عن هذا القمع المنظم مقاومة كبيرة وتمرد، قابلتهما الحكومة باغتيالات واسعة النطاق وهجمات عشوائية ضد المدنيين، تصل في بعض الحالات الى الابادة الجماعية وجرائم ضد الانسانية. وما بين فبراير/شباط وسبتمير/ايلول 1988، اغتال جهاز الأمن العراقي ما لا يقل عن 100 ألف كردي، على تقديرات محافظة... وبعد حرب الخليج، قمعت الحكومة بعنف انتفاضات شعبية في الشمال والجنوب.
وفي اغسطس/آب 1992 قتل نحو 2500 عربي يقطنون الاهوار الجنوبية. ودمرت آلاف القرى ونهبت الممتلكات نهبا منتظما. و أوصى التدخل الدولي بفرض حزام مستقل في الشمال في المناطق الكردية الثلاث تحت ادارات كردية متنافسة.
وفي الجنوب استمرت المقاومة المسلحة بمستوى ضعيف، بينما وفر نظام حظر الطيران المفروض أميركيا حماية متواضعة.
وشملت حملة الحكومة ضد العصيان في الجنوب تجفيفا منظما للاهوار، وهو تدمير كامل لأكبر نظام بيئي للأهوار في الشرق الاوسط في اقل من عقد. واطلق البرنامج البيئي للأمم المتحدة على ذلك العمل «أحد أعظم الكوارث البيئية في العالم»، ما أدى الى التشريد الكامل لنحو مئات الآلاف من السكان. ويشير مصير عرب الأهوار الى مظهر هام للحياة تحت حكم صدام وبالذات «التطهير العرقي» الواسع في شكل ترحيل اجباري وتشريد داخلي.
وفي الشمال تم نفي مئات الآلاف من الاسر الكردية والعربية الى ايران في الثمانينات وهم لا يرتدون غير ملابسهم.
وعززت الحكومة من سياسة «التعريب» لاقليم كركوك الغني بالنفط منذ العام 1991،بنفي أكثر من 120 ألف كردي وتكرمستاني، واقليات اخرى. وهذه ليست جرائم من الماضي فقط وانما استمرت حتى اليوم. كانت المنظمة المدافعة عن حقوق الانسان «هيومان ووتش» في شمال العراق في سبتمبر وتحدثت حينئذ إلى اسر نفيت من كركوك قبل ايام قليلة فقط.
وتتحمل العقوبات المفروضة من مجلس الأمن جزءا كبيرا من المسئولية في تدهور الوضع الانساني، اذ تفاقمت مشاكل الصحة العامة بسبب تدمير الحلفاء امدادات الكهرباء والمياه والمجاري وقطاعات البنية التحتية الاخرى .
ربما يغري المرء وجود هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان بالتفكير في أن اي نظام بديل لحكومة صدام سيمثل تحسنا. ولكن أولا هناك الخسائر المدنية الناتجة عن الغارات الجوية أو الغزو البري. واعتماد الولايات المتحدة على القصف الجوي من ارتفاعات عالية لتقليل الخسائر العسكرية يعرض الكثير من المدنيين تحت الخطر.
ثانيا: هناك خطر استخدام الحكومة العراقية «الدروع البشرية» أي وضع قوات عسكرية وسط السكان المدنيين. خطوة من هذا القبيل تعتبر انتهاكا صارخا للقانون الانساني الدولي (معاهدات جنيف) ولكن لا ينفي التزام القوات المهاجمة بالتمييز بين المدنيين والاهداف العسكرية، وان تأخذ كل الخطوات لتقليل الاذى على المدنيين.
ثالثا: من المحتمل ان يحدث استمرار الحرب أزمة انسانية ضخمة تشمل نزوحا داخليا كبيرا بالاضافة الى تدفقات اللاجئين الى دول مجاورة. واولئك الذين يشنون الحرب على النظام العراقي يتحملون عبئا ثقيلا يتمثل في توكيد ان الكلفة الانسانية المحتملة للصراع المسلح على شعب العراق يجب ان تبقى في الحد الادنى.
باحث في منظمة «هيومن رايتس ووتش» لحقوق الانسان -الولايات المتحدة
العدد 200 - الإثنين 24 مارس 2003م الموافق 20 محرم 1424هـ