العدد 200 - الإثنين 24 مارس 2003م الموافق 20 محرم 1424هـ

ثورة الإمام الحسين وأثرها في الأدب العربي والمحلي

نالت ثورة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب عليهما السلام اهتمام الادباء والشعراء والمؤرخين والكتّاب والمفكرين من مختلف البلدان العربية والاسلامية والاجنبية. واصبحت ثورة الامام الحسين النور الساطع الذي ينير درب اصحاب الاقلام وارباب الفكر والسياسة لما لها من فضل كبير في تحرير البشرية جمعاء من العبودية والذل. فهي الثورة التي نادت بلا للذل، ولا للخنوع، ولا للعبودية، ولا للظلم، ولا للطغاة والجبابرة. ونادت بنعم للحرية، والمساواة، والعدل، وتطبيق الشريعة السمحاء.

استلهم الادباء والكتّاب والفلاسفة ورجال الحكم والسياسة العظات الكثيرة من هذه الثورة الخالدة. وكانت فلسفة الإمام الحسين من وراء ثورته العظيمة تهدف إلى تبيان حقيقة واحدة هي: إما العيش بحرية وكرامة وسط مجتمع يسوده العدل ويتمسك بمبادئ الاسلام وقيمه. واما التضحية بالنفس من اجل الحرية والكرامة والعدل والتمسك بمبادئ الاسلام وقيمه.

لقد شهدت البشرية عبر تاريخها الطويل القديم والحديث والمعاصر بروز ثورات كثيرة في مختلف اصقاع المعمورة، إلا ان ثورة الحسين تبقى الثورة الخالدة المتجددة لأنها حفظت للانسان دينه وكرامته وحريته، وقد صدق الشاعر حين قال:

كذب الموت فالحسين مخلد

كلما أقدم الزمان تجدد

والمتبحر في بطون الكتب يجد ثورة الحسين قد غطتها امهات الكتب العربية ومن بينها: (مروج الذهب) للمسعودي، و(تاريخ الامم والملوك) للطبري، و(البداية والنهاية) لابن كثير، و(بحار الانوار) للمجلسي وغيرها.

وهناك المئات من الكتب التي أُلفت عن واقعة كربلاء بدءا من القرن الاول الهجري وحتى عصرنا الحاضر. ويعد كتاب (مقتل الحسين) لأبي القاسم الاصبغ بن نباتة الجاشعي التميمي الحنظلي اول كتاب تناول مقتل الحسين وقد كتبه في القرن الاول الهجري. ومن بين الاوائل الذين ألفوا كتبا عن استشهاد الامام الحسين عليه السلام: ابواحمد عبدالعزيز بن يحيى بن احمد بن عيسى الجلودي، وابوالحسن علي بن محمد المدائني في القرن الثالث الهجري، وابوالفضل نصر بن مزاحم المنقري العطار المتوفى سنة 212 هـ وغيرهم كثيرون.

وصدرت كتب المقاتل التي تروي ملحمة كربلاء ومن بين اهمها (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الاصفهاني، و(مقتل الحسين) لأبي مخنف الازدي الذي اعتمد عليه الطبري في تاريخه عن واقعة كربلاء، و(مقتل الحسين) لعبدالرزاق المقرم. وصدر للسيد محسن الامين العاملي (المجالس السنية)، كما صدر للسيد هبة الدين الشهرستاني كتاب (نهضة الحسين).

واشتهر بعض الشعراء الذين خلدوا واقعة الطف وعلى رأسهم دعبل الخزاعي والكميت بن زيد الاسدي، والسيد الحميري.

وتناول في التاريخ الحديث والمعاصر المؤرخ الاوروبي ول ديورانت في موسوعته المعروفة (قصة الحضارة) موقعة كربلاء موضحا بُعد المأساة حين ذكر في المجلد 13 (13 - 14) النص الآتي: (لما حمل رأس الحسين إلى الكوفة اقبل عبيدالله ينكثه بالقضيب، فقال له احد الحاضرين: «ارفع قضيبك فطال والله ما رأيت رسول الله (ص) يضع فمه على فمه يلثمه».

ومن الكتب الكثيرة الحديثة التي صدرت عن موقعة كربلاء نذكر منها: (في رحاب كربلاء) لحسين كوراني الصادر في العام 1991م، و(الحسين في الفكر المسيحي) لانطوان بارا، و(تاريخ كربلاء) لعبدالجواد الكليدار.

وصدر عن مؤسسة البلاغ (اجراس كربلاء) جمع فيه معده محمد سعيد الطريحي مختارات من قصائد لكبار شعراء العرب المعاصرين ومن بينهم: بدر شاكر السياب، وأحمد الوائلي، وابراهيم العريض، وعادل الغضبان، وعبدالمسيح الانطاكي، ومحمد مهدي الجواهري، ومحمد صالح بحرالعلوم، وهلال بدر البوسعيدي، وادوار مرقص وغيرهم.

وتناول محمد عبده يماني في كتابه (علموا اولادكم محبة آل بيت النبي) موقعة كربلاء وقصة استشهاد الامام الحسين وأهل بيته وأصحابه في العاشر من محرم سنة 61هـ.

أما احدث الكتب البحثية الاكاديمية التي تناولت بالتفصيل الدقيق واقعة كربلاء، والاساليب المتخذة في بلدان العالم لإحياء ذكرى استشهاد الحسين فهو كتاب (تراجيديا كربلاء) تأليف ابراهيم الحيدري.

ساهم الادباء والشعراء والكتاب في البحرين بإثراء المكتبة العربية بنتاجهم الفكري الذي غطى جوانب من ثورة الحسين عليه السلام فقد رثى ابوالبحر جعفر الخطي المتوفي سنة 1028هـ /1618م الامام الحسين بقصيدة مطلعها:

معاهدهم بالأبرقين هوامد

رزقن عهاد المزن تلك المعاهد

ولولا احمرار الدمع ما انبعثت لها

سحائب دمع بالحنين رواعد

ويقول في جانب من قصيدته:

تضيء بهم اكناف عرصة (كربلا)

وتظلم منهم اربع ومشاهد

فيا (كربلا) طلت السماء وربما

تناول - عفوا - حظ ذي السعي قاعد

لأنت وإن كنت الوضيعة نلت من

جوارحهم ما لم تنله الفراقد

وتطور الشعر الرثائي من القصيدة إلى الملحمة كما هي الحال في ملحمة (أحرم الحجاج) من نظم الشيخ حسن الدمستاني المتوفي سنة 1281هـ/1861م. امتازت ابيات الملحمة بصدق العاطفة وقوة التعبير، كما امتازت بقوة الالفاظ وجزالتها، وتناثر المحسنات البديعية والصور البيانية. والقصيدة مربعة يتألف كل مقطع منها من اربعة ابيات، ينتهي كل بيت من ابياتها الثلاث الاولى بقافية وينتهي البيت الرابع بقافية القصيدة. يقول الدمستاني في هذه الملحمة:

أحرم الحجاج عن لذاتهم بعض الشهور

وأنا المحرم عن لذاته كل الدهور

كيف لا أحرم دابا ناصرا هدي السرور

وأنا في مشعر الحزن على رزء الحسين

حق للشارب من زمزم حب المصطفى

أن يرى حق بنيه حرما معتكفا

ويواسيهم وإلا حاد عن باب الصفا

وهو من أكبر حوب عند رب الحرمين

من بين شعراء البحرين الكبار الذين نظموا قصائد عن ثورة الحسين الشاعر عبدالرحمن المعاودة الذي نظم قصيدة بعنوان (يا بن فاطمة الزهراء) جسد فيها معاني ثورة الحسين وتضحياته الجسام إذ قال:

ضربت للحق فينا أروع المثل

ولم تبال بما لاقيت يا بن علي

عليك منا سلام الله ما هتفت

ورقاء او غرد الحادي على الابل

قد قمت في نصرة الاسلام متخذا

من هدى جدك طه أقوم السبل

فيا بن فاطمة الزهراء حسبك من

مجد بأنك من ابطالنا الأول

إن الإمام الحسين السبط وهو كما

في علمكم نسل خير الخلق والرسل

ضحى وقاوم عدوان الطغاة

ولم يلحقه في الله من وهن ومن كلل

حتى غدا علما في كل مكرمة

وكان في زمرة الأبرار في الأول

ومما قاله شاعر البحرين ابراهيم العريض في قصيدة بعنوان (شهداء الطف):

يا سيد البطحاء ما شأنها

حتى ثوى في الطف ريحانها

معتصما بالله في صفوة

قضى لها بالفوز إيمانها

هل عباها شيء سوى أنه

اسبقها للموت شبانها

وتنكص الرايات إلا التي

تدرأ عنها البغي إيمانها

مؤثرة كأس الردى علقما

على الذي يمليه عبدانها

فيا لها في الملك من فتنة

عمياء قد جاوز طغيانها

في أمة بدد من شملها

ما كان قد ألف قرآنها

حتى تجلى الحق في عرصة

قاحلة تؤويه أخذانها

هادئة بين يدي ربها

والخيل لا يهدأ عدوانها

ما أفجع التاريخ في صفحة

خط بذاك الدم عنوانها

وقال الشاعر رضي الموسوي في ديوان (سيف ووتر) في قصيدة (الحسين قدوة الثائرين)

يا ربيبا في معبد الإيمان

مهبط الوحي يا رفيع الشأنِ

يا مثالا من القداسة تسمو

بذويها للعالم الروحاني

العصامي والعظيم الذي لم

تغره قط مغريات الزمانِ

والمحامي عن الضعيف ولا

فرق لديه ما بين قاصٍ ودانِ

ويختم قصيدته بقوله:

وليكن داعي السلام حسين

قدوة الثائرين كالعنوانِ

ومما قاله الشاعر تقي البحارنة في ديوانه (بنات الشعر) في رثاء الحسين في قصيدة بعنوان (في ذكرى سيد الشهداء):

ايه يا كربلا... فمازلت رمزا

للبطولات. سرها والمعاني

فبكل الأزمان منك شهيد

ومدل بالظلم والطغيانِ

فوق جرح الزمان يعلو حسين

ويزيد لا ينتمي لزمانِ

ونفوس مخلدات كرام

ونفوس تبوء بالخسرانِ

لقد بلغ عدد دواوين رثاء الحسين وآل البيت الصادرة في البحرين اكثر من 65 ديوانا، نظم بعضها بلهجة عامية دارجة تميل ميلا شديدا إلى اللهجة العراقية الدارجة، ونظم البعض الآخر وفق القصيدة العمودية اي الشعر الفصيح.

ويعد ملا عطية الجمري ابرز شعراء الرثاء الحسيني في تاريخ البحرين الثقافي خلال القرن العشرين، وجمعت قصائدة في ديوان اطلق عليه (الجمرات الودية). وكان ملا عطية اشهر خطباء المنبر الحسيني على الاطلاق إذ قضى طوال عمره خطيبا لهذا المنبر مكونا مدرسة خاصة في مجال الرثاء والمنبر الحسيني خرّجت الكثير من خطباء المنبر الحسيني. وواصل اولاده وأحفاده خدمة المنبر الحسيني حتى يومنا هذا.

أما أحدث ما نُشِرَ في البحرين عن واقعة كربلاء فهي موسوعة صدرت في العام 2002م بعنوان (موسوعة مقتل الإمام الحسين عليه السلام) من اعداد محمد عيسى آل مكباس، تم فيها توثيق واقعة كربلاء من القرن الاول إلى القرن العاشر الهجري وذكر فيها جميع المقاتل والكتب التي ألفت عن واقعة الطف خلال القرون العشرة. وبهذا تكون مملكة البحرين في طليعة الممالك والدول التي ازدهر فيها النتاج الفكري المتخصص في رثاء الحسين وآل البيت، ما يعكس مدى حرية الفكر والقلم في مملكة يرعاها صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى الذي حرص على ان يجعل من هذه المملكة النموذج الحي المعبر عن الوحدة والحرية والديمقراطية الحقيقية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:45 ص

      السلام عليك يا ابا عبدالله الحسين

      ارواحنا لك فداء يا ابا عبدالله الحسين يا ابن رسول الله

اقرأ ايضاً