العدد 198 - السبت 22 مارس 2003م الموافق 18 محرم 1424هـ

هكذا تجري حرب المعلومات المضلّلة

السيناريو الحقيقي للحرب:

انتشر الجند بالآلاف في جميع أنحاء الشرق الأوسط. في صحارى الكويت، عمان، شمال العراق، تركيا، إسرائيل وفي بغداد نفسها. وكما يقول أكثر المتحمسين والمتعصبين هناك نحو 7000 صحافي «في ميدان المعركة». في قطر، تم تجهيز مركز إعلامي ضخم للصحافيين الذين لن يخوضوا المعركة.

إذا كم مرة نسج الجنرال تومي فرانكس روايته للصحافة في حماقات الساعة التاسعة؟ لا أحد يدري بالضبط، فهو لا يحب حتى التحدث إلى الصحافيين. ولكن معلوم أن الموارد الصحافية والإعلامية التي وضعت في المنطقة ضخمة للغاية. فللـ «بي بي سي» وحدها نحو 35 صحافيا في الشرق الأوسط، منهم سبعة عشر مدمجين ـ إلى جانب مئات الصحافيين من شبكات التلفزة الأميركية والقنوات الأخرى ـ في الوحدات العسكرية.

وبمجرد بدء غزو العراق، فقد هؤلاء المراسلون حريتهم في كتابة ما يريدونه، بسبب الرقابة الصارمة. ونشاهد كثيرا من الصحافيين البريطانيين والأميركيين يعودون إلى خدعهم القديمة بلبس البزات العسكرية أثناء أدائهم عملهم الميداني ليلا وظهورهم على شاشات التلفزيون. ونصبت كثير من الشبكات الإخبارية الأميركية مراكز إعلامية لها في شمال العراق مع أوامر سابقة بعدم تغطية أي حدث قبل بدء الحرب، خوفا من إثارة العراقيين ومن ثم يتعرض مراسلوهم للطرد من بغداد. وهناك تنسيق الإخراج في كل شيء، تضع الصور أحيانا، ووجهات النظر الخاصة بالأخبار يختارها أشخاص «أذكياء»، مثلما يحاول العراقيون فعل الشيء نفسه في بغداد. ومثال على ذلك، الصور الأخيرة في الصفحات الأولى للقوات البريطانية الضخمة في الكويت مكتملة التجهيزات من دبابات مصطفة ومروحيات متقنة التصميم.

وهنا أيضا بعض التخمينات عن تغطية الحرب. فالقوات الأميركية والبريطانية ستستخدم آلاف قذائف اليورانيوم المنضب ـ الذي اعتبره الخبراء السبب الرئيسي في أعراض مرض حرب الخليج العام 1991، بالإضافة إلى مرض السرطان الذي أصاب آلاف الأطفال في العراق.

وكانت الصورة المرسومة ان القوات الغازية ستدخل مدينة البصرة خلال ساعات، لتتلقى التحية من كثير من المواطنين باعتبارها قوات «تحرير». وستقدم الورود إلى الجنود الأميركيين والبريطانيين، وينثر فوقهم الرز ـ التحية العربية التقليدية ـ وهم يجوبون الطرقات منتشين بالنصر. ولن يذكر طبعا الصحافيون استخدام ذخيرة اليورانيوم المنضب، ولكنهم يغطون في بغداد الغارات والقصف بالقنابل التي قتلت المدنيين بأعداد ضئيلة في البداية ثم بالمئات بعد ذلك. وكالعادة يتم اتهام هؤلاء الصحافيين بالانحياز إلى جانب العدو بينما تدافع القوات البريطانية والأميركية عن نفسها وتذود عن أرواحها في بغداد! ومن أهم أولويات الحكومتين الأميركية والبريطانية كشف غرف التعذيب والاغتصاب المروعة وقصص وتجارب شخصية قاسية لبعض السجناء الذين عانوا على أيدي رجال البوليس السري لصدام. وذلك لإثبات مدى صحة وحقيقة أننا «حررنا» هؤلاء الناس الفقراء. الخطوة الثانية على أميركا أن تجد أسلحة الدمار الشامل التي كانت وراء شن هذه الحرب الدموية. وفي سعيها الإعلامي نحو هذه الأسلحة المزعومة، فإن أي صاروخ قديم يمكن أن يفيد في إثبات الدعوى في تلك اللحظة! ويتحاول أميركا تطويق المخابئ المزعومة للأسلحة الكيماوية، التي لخطورتها لن يقربها صحافي طبعا. فهي ربما تحتوي على غاز الأعصاب (في اكس VX) أو الانثراكس. ولكن الأمر الأكثر أهمية في هذه الأثناء بالنسبة إلى واشنطن ولندن هو إقناع العالم بأن سبب الحرب كان صحيحا، ومطلوب من الصحافيين سواء بالداخل أو في الخارج أن يرددوا ما تقوله أميركا وبريطانيا. وعند تطويق بغداد ستصدر الأوامر للمدافعين عنها بالاستسلام. وسينشب قتال بين الطوائف الدينية في الأحياء الفقيرة حول بغداد، وهي بداية حرب أهلية شرسة لا تستطيع القوات الغازية إخمادها. وستنتقل بعض القوات الأميركية من بغداد إلى مدينة تكريت مسقط رأس صدام للبحث عنه. وسيظهر بوش وبلير على التلفزيون ليتحدثا عن «انتصاراتهما» العظيمة. وفيما يتبجحان بذلك النصر سيبدأ سرد القصة الحقيقية: تشرذم المجتمع العراقي، وعودة آلاف اللاجئين العراقيين من إيران، وغالبيتهم مسلحون، وجميعهم سيرفضون العيش تحت الاحتلال الغربي، هذا في الجنوب.

أما في شمال العراق، فتحاول الميليشيا الكردية دخول كركوك، ويبدأون في قتل أو «تصفية عرقية» لكثير من السكان العرب في المدينة.

وفي جميع أنحاء العراق ستشهد القوات الغازية مناظر مرعبة من الثأر لا تستطيع أن تتكتم عليها بعيدا عن عدسات التلفزيون. هنا يبدأ سقوط وانهيار الشعب العراقي. وطبعا يكون الأميركيون والبريطانيون دخلوا بغداد في ظرف ثلاثة أيام فقط لتلقي الرز وماء الورد في تلك اللحظة! وهو ما فعلته القوات البريطانية في العام 1917 ومن ثم يبدأ التزلج إلى قاع سحيق.

خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 198 - السبت 22 مارس 2003م الموافق 18 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً