يبدو ان اليوم الثالث من حرب الخليج الثالثة سيشهد سلسلة انقلابات دراماتيكية في الهجوم الأميركي على العراق. فبعد ان بدأت الحرب في اليومين الماضيين بتوجيه ضربات محدودة انتقلت منذ امس إلى استراتيجية القصف الشامل لمختلف مراكز القيادة والاتصال.
وترجح بعض المصادر العسكرية ان الادارة الاميركية لجأت في الساعات الـ 48 الماضية إلى تحديد المواقع المستهدفة لتقليل عدد الاصابات المدنية حتى لا يستفيد منها قادة دول الاتحاد الاوروبي الذين اجتمعوا على مستوى القمة في بروكسيل لشن حملة سياسية - اعلامية ضد بريطانيا (المدعومة من اسبانيا) المشاركة في التحالف العسكري ضد العراق.
ويبدو أن تحديد الضربات وتقليل الخسائر المدنية في اليومين الماضيين جاء بناء على نصيحة لندن حتى لا تثار في وجه رئيس حكومتها موجة نقد تضغط نفسيا على القمة فتصدر قرارات قاسية ضد الحرب.
ويرجح أن لندن نجحت في خطتها اذ لاحظت مختلف الاتجاهات الاعلامية خفوت صوت النقد نسبيا وأقل بكثير من المتوقع. اذ ان التقارير آنذاك اشارت إلى اصابات قليلة في المدنيين وغارات محددة ومحدودة قياسا بالتوقعات التي ذكرت انها ستكون ضخمة وعنيفة وشاملة تودي بحياة عشرات آلاف القتلى.
وتميل الآن المصادر العسكرية إلى ترجيح ازدياد عنف الحملات الجوية وشموليتها بعد مرور «قطوع» القمة الاوروبية وعودة قادة دول الاتحاد إلى بلدانهم وصدور قرارات هادئة نسبيا تتحدث عن استعدادات للمساعدة الانسانية وتكرار ادانات للموقف الاميركي سبق ذكرها في تصريحات رسمية سابقة.
إلى العامل السياسي هناك مجموعة تعقيدات عسكرية تمثلت في بروز مقاومة عراقية أكبر من المتوقع. فالمخابرات الاميركية راهنت على انقسامات في القيادة العسكرية العراقية اضافة إلى حصول انشقاقات وعمليات هروب ونزوح للجنود كما حصل في حرب الخليج الثانية. وتفيد المعلومات ان هناك مجابهات حقيقية في اكثر من مكان وتحديدا في الجنوب والجنوب الغربي اذ فشلت القوات الاميركية في تأكيد سيطرتها الكلية على بلدة ام قصر التي تبعد اقل من 1000 متر عن الحدود الكويتية، الا بعد ثلاثة ايام. كذلك فشلت في دخول الناصرية على نهر الفرات وايضا لم يتأكد حتى الآن نجاح القوات البريطانية في السيطرة الشاملة على شبه جزيرة الفاو.
لا شك في ان القوات الاميركية (المدعومة بريطانيا) حققت بعض النجاحات والاختراقات المحدودة وتحديدا في المناطق الصحراوية غير المأهولة في غرب العراق. إن تلك الاختراقات كانت اقرب إلى عمليات التسلل التي تتقدم من دون أن تنجح في التموضع.
إلى العاملين السياسي (الاوروبي) والعسكري (المقاومة العراقية) هناك العامل التركي الذي يبدو انه أربك الاستراتيجية العسكرية الهجومية من الشمال.
وعلى رغم سماح أنقرة باستخدام ممراتها الجوية لعبور الطائرات الاميركية فان القرار لم ينفذ الا مساء امس الأمر الذي عطل الكثير من الخطط العسكرية وخصوصا عندما لمح البرلمان التركي إلى إمكان دخول الجيش المناطق الشمالية، ونفذ تهديده بإرسال 1500 من جنوده.
العامل التركي أسهم في تأخير الهجمات الجوية وعطل امكانات التقدم البري.
والآن وبعد ان فتحت الأجواء التركية يتوقع ان تتزايد الهجمات الجوية (الكاسحة) كما يهدد رئيس أركان الجيش الاميركي ريتشارد مايرز ويقول انها ستشمل مئات الاهداف.
وليد نويهض
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 198 - السبت 22 مارس 2003م الموافق 18 محرم 1424هـ