إلى أي حد يمكن أن تنجح الولايات المتحدة في إضفاء شرعية على حربها ضد العراق؟ وهل تنجح واشنطن في استخدام نجاحها العسكري (وهو أمر مؤكد) في تدمير جيش العراق وتفكيك النظام في إنتاج آليات سياسية تساعدها على تبرير عملها العدواني ضد دولة عربية محاصرة ومفككة منذ 12 سنة؟
النجاح العسكري (السهل والقليل الكلفة) هو الورقة الوحيدة التي تراهن عليها إدارة بوش لإعادة كسب الثقة الدولية وإضفاء شرعية على صدقيتها وسياساتها العامة.
لذلك تعمدت في الأيام الأولى للهجوم تجنب إثارة الرأي العام من خلال تحديد الأمكنة المستهدفة للحد من الضحايا المدنية. إلا أن الأمور كما تبدو أخذت تسير في الاتجاه المعاكس. فعدم استخدام القوة الكلية والشاملة يعني تطويل أيام الحرب واستخدامها يعني الكثير من الضحايا.
بين الاختيارين هناك مشكلة دائمة وهي ان الولايات المتحدة حتى الآن لم تنجح في إقناع الرأي العام العالمي والدول الكبرى والمعترضة، بأن حربها شرعية وغير مخالفة للقانون الدولي وصلاحيات مجلس الأمن.
استخدمت إدارة واشنطن حتى الآن كل أساليب الخداع. وكسبت إلى حد ما بعض النقاط من نوع ان البورصة الأميركية في نيويورك ارتفعت مجددا، وأسعار النفط انخفضت، وشعبية جورج بوش زادت من 52 في المئة إلى 75 في المئة، والدولار الأميركي تحسن سعره في سوق صرف العملات، والكونغرس وافق على تمويل الحرب بموازنة بلغت مئة مليار دولار اقتطعها من مشروع خفض الضرائب الذي وعد به الرئيس الناخب الأميركي خلال فترة ترشحه للرئاسة.
كل هذه النقاط كسبها بوش في الأيام الأولى للحرب ويتوقع أيضا أن يحصل على المزيد من النقاط لمصلحة مشروعه السياسي في الأيام الأخيرة حين تدخل قواته بغداد وتبدأ عمليات التصفية والاعتقال والمحاكمات وعودة المعارضة وإظهار بعض مشاهد البهجة والفرح في شوارع المدن العراقية.
هذه النقاط كلها محسوبة وإدارة الحرب في البنتاغون تبني حساباتها العامة على أساس تحولات سياسية يُفترض ان تنتجها النجاحات العسكرية في العراق. فالرهان الأميركي يعتمد الآن على نتائج الحرب بعد أن خالفت إدارة واشنطن الشرعية الدولية واتخذت قرار العدوان من دون غطاء وبالضد من العالم. ومعركة الولايات المتحدة في النهاية عالمية. والنقاش ليس على من يكسب الحرب، فهذه المسألة محسومة ولا جدال في نتائجها. النقاش على من يكسب العالم إلى جانبه في معركة قامت أصلا على نظرية الاستبداد الدولي التي خطط لها أشرار البيت الأبيض.
تظن إدارة بوش أيضا ان المعركة ستعيد إنتاج تحالفات دولية جديدة تكون فيها واشنطن الرابح الأكبر في معادلة التوازن العالمي الجديد. لذلك يصر أشرار البيت الأبيض على تقديم لائحة يومية إلى الرئيس بوش بعدد الدول المؤيدة للجريمة التي يقترفها في العراق.
صباح كل يوم هناك لائحة بعدد الدول المنحازة للحرب على العراق. بدأت الحرب، كما يقول أشرار البيت الأبيض، بتأييد 30 دولة في العالم، وفي اليوم الأول ارتفع العدد إلى 35 دولة، وفي الثاني إلى 40، وفي الثالث إلى 45، وربما اليوم (الرابع) سيرتفع العدد مثلا إلى 50 دولة مؤيدة. وهكذا كل يوم يزداد العدد خمس دول... وفي نهاية الحرب يرجح الأشرار ان الرقم سيصل إلى 100 دولة. أي أن الحرب كسبت الشرعية الدولية بغالبية نسبية.
هكذا يفكر أشرار البيت الأبيض. فالمسألة ليست حقا وقانونا وشرعية ضد ظلم وقتل واحتلال ونهب وسرقة ونصب واحتيال. المسألة مجرد عدد وتعداد للدول المسكينة الخائفة التي تلقت تهديدات من الأشرار بتأييد الحرب وإلا سيكون مصيركم كمصيره. نصف لائحة الدول أيدت الهجوم الأميركي تحت التهديد السياسي، والنصف الآخر أجبرت على التأييد بإغراءات اقتصادية ـ مالية أو بقطع المساعدات عنها.
حتى تلك الدول الكبرى، أمثال اسبانيا (وعدت بدور وموقع وحل مشكلة جبل طارق) واليابان (التي يعتمد اقتصادها الضخم على نفط الشرق الأوسط)، اضطرت إلى تأييد الحرب الأميركية على العراق... مقابل وعود بالسلامة السياسية أو مقابل عطاءات مالية واقتصادية.
قد ترتفع لائحة الدول المنحازة لحرب الدمار الشامل ويزداد عدد المؤيدين إلى الرقم المئة، إلا ان الثابت في الموضوع ان هذه الدول المكرهة والخائفة تعاني من سلسلة انقسامات سياسية وانشطارات أهلية تهدد توازنها الداخلي. فهذه الدول ليست متفقة على التأييد. استراليا، مثلا، يميل شارعها إلى رفض الحرب ويعاني رئيس حكومتها (التابع للتاج البريطاني) من اضطرابات قد تؤدي إلى سقوط حزبه في الانتخابات المقبلة. اليابان، مثلا، يعاني رئيس حكومتها من مشكلات حقيقية، فهو مضطر إلى حماية إمدادات النفط لاقتصاد دولته ولكنه يواجه معارضة سياسية حقيقية في البرلمان والشارع. والأمر ذاته يمكن سحبه على إيطاليا ورئيس حكومتها برلسكوني، واسبانيا ورئيس حكومتها أثنار. بينما في المقابل نرى أن شعبية زعماء الدول المعارضة للحرب ارتفعت في شوارع بلدانهم إلى نسب عالية. فالرئيس شيراك هناك أكثر من 92 في المئة من الفرنسيين يؤيدون سياسته. كذلك المستشار الألماني شرودر، وأيضا الرئيس الروسي بوتين، ورئيس حكومة كندا، وأيضا المكسيك، وكذلك البرازيل، وغيرها من الدول الكبرى والصغرى التي تحترم نفسها وتلاقي الاحترام من شعوبها.
الحرب إذن ليست شرعية دوليا وليست شعبية عالميا. فالعالم ضد الحرب حتى لو نجح الأشرار في زيادة عدد لائحة الدول المؤيدة بطرق شتى تبدأ بالإغراءات الاقتصادية أو الابتزاز المالي أو التهديد السياسي. اللائحة قد تصل إلى مئة دولة ويتحسن سعر الدولار وترتفع شعبية بوش... إلا ان الحقيقة أقوى مهما حاول أشرار البيت الأبيض تحسين صورتهم أمام العالم.
وليد نويهض
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 198 - السبت 22 مارس 2003م الموافق 18 محرم 1424هـ