العدد 198 - السبت 22 مارس 2003م الموافق 18 محرم 1424هـ

المسيرات الغاضبة: ما هي ضوابطها؟

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

المسيرات الغاضبة التي خرجت خلال اليومين الماضيين أعادت إلى الأذهان المسيرات الحاشدة قبل عام عندما انفجر الشارع البحريني (كما كان الحال مع الشوارع العربية والإسلامية الأخرى) احتجاجا على الإرهاب الصهيوني المدعوم أميركيا. واليوم ينفجر الشارع العربي والإسلامي غضبا وهو يشاهد الكرات النارية ترتفع فوق بغداد وبقية المدن العراقية ويشاهد كيف تجرب الولايات المتحدة تكنولوجيتها وأسلحتها المتطورة فوق رؤوسنا (رؤوس العرب والمسلمين).

ولكن المسيرات الغاضبة تلزمها ضوابط لكي لا ينفلت الوضع بطريقة لا يمكن أن يستفيد منها الذين خرجوا للتعبير عن رأيهم. فحرية الخروج في المسيرات (وهذا الامر يسري في كل بلد ديمقراطي) تتلازم مع ضوابط تتطلب وجود جهة مسئولة عن التظاهرة تستطيع من خلالها قوات الأمن التفاهم. ففي ظل حكم القانون ليس هناك خوف من أن تتقدم فئة لتسجيل اسمها كمسئولة عن تظاهرة تود الخروج، وبالتالي يتمكن رجال الأمن العام التفاهم معهم.

والخشية من عدم وجود جهة يمكن التفاهم معها تكمن في امكان دخول أية مجموعة مهما كانت صغيرة لحرف المسيرة إلى اتجاهات أخرى قد تتسبب في سقوط قتلى. ولعل هذه المجموعة الصغيرة تتصرف بحسن نية وبدافع الغيرة الإسلامية والعربية والوطنية، والمشاعر المشتعلة لها ما يبررها. ولكن أيضا هناك الاعتبارات الأخرى التي لا يمكن اغفالها. فأية سفارة كانت في أي بلد كان بإمكانها مطالبة الدولة المضيفة لها بحمايتها من أي اعتداء، وأية محاولة اعتداء على السفارة تعتبر من الناحية الدبلوماسية اعتداء على طرفين: على سيادة الدولة صاحبة السفارة، وسيادة قانون الدولة التي توجد فيها السفارة. وإذا كان هناك مبرر للتعبير عن الرأي فإن استخدام أساليب عنف بالإمكان أن يعطي مبررا للطرف الآخر للرد. وإذا لم تكن هناك نية في التسبب في وقوع جرحى وقتلى من الطرفين، فإن تلك النية تختفي تحت الضغط وسرعان ما يتساقط الناس جرحى وربما قتلى كما حدث مع الشهيد محمد جمعة الشاخوري العام الماضي.

فالشهيد محمد جمعة تحولت قضية قتله إلى شأن وطني عام وطالب المواطنون بإجراء تحقيق وحاول عدد من الناشطين ايصال القضية إلى المحاكم، إلا أن التحقيق اختفى كما اختفت جميع التحقيقات الأخرى، واختفى شأن المحاكمة أيضا.

فدم الشهيد محمد جمعة مازال ماثلا أمامنا، ولا أعتقد أن من مصلحة أحد أن يتساقط المواطنون قتلى أمام هذه السفارة أو تلك أو في أي مكان آخر، ونحن نعلم أن سقوط القتلى يعني حدوث أزمة كبرى، وربما تراجع في حركة الإصلاح التي بدأت بحماس من الجميع ثم بدأت تتعثر لأسباب مختلفة. وإذا سقط الناس قتلى وجرحى فإن هناك من سيستفيدون من ذلك في الدعوة إلى وصد الأبواب أمام النشاطات السلمية الأخرى التي يعبر من خلالها شعب البحرين عن رأيهم.

ففي يوم أمس، كان طلاب جامعة البحرين يتظاهرون داخل الحرم الجامعي وتظاهر آخرون بأسلوب حضاري، بينما تحولت المنطقة أمام السفارة الأميركية وبعد ذلك امام السفارة البريطانية الى مسرح للعنف والكر والفر بين قوات مكافحة الشغب والشباب والطلاب.

ويوم أمس الأول تساقط الجرحى بالعشرات، وكادت بعض البيوت تحترق، وارتفعت على الأقل عشرة أعمدة للنيران في الساحة الواقعة أمام السفارة الأميركية وعلى الشارع العام، وكان بعض الشباب المتحمس يرفع الشعارات ويتقدم بالقرب من السفارة بينما كان البعض يرمي الأحجار ورمي الأحجار أعطى مبررا لقوات مكافحة الشغب للرد عبر استخدام قنابل مسيلة للدموع. ويوم امس ازدادت الاوضاع سوءا يوم امس امام السفارة البريطانية في قلب العاصمة.

وقوات الأمن كانت هي ذاتها غير منضبطة نوعا ما مثلها مثل بعض الشباب. فبينما كان أحد رجال الأمن يتحاور مع بعض الشخصيات ويتفقون على السماح للمظاهرة بالخروج بصورة سلمية كانت بعض القوات تتمترس بأسلوب استفزازي ما أثار بعض الشباب، وعادت المناوشات. وهكذا كان يوم أمس الأول... كل عشر دقائق تتفجر الساحة ويحاول البعض التهدئة، فيهدأ الوضع، ثم ينفجر. الانتقاد الذي يوجه إلى بعض الشباب المتحمس يمكن توجيهه إلى قوات مكافحة الشغب الذين استخدموا اسطوانات قنابل الغاز المسيلة للدموع بصورة مكثفة بل ان الأسوأ من ذلك هو أن هذه القنابل كتب عليها أنها صالحة لغاية نوفمبر/ تشرين الثاني 1995، بمعنى أن استخدامها أمر مخالف للقانون. ولعل هذا هو السبب في كون آثار الغاز خانقة وليست مسيلة للدموع.

أين هي الجمعيات السياسية التي تسيطر على المسيرة وتضبطها؟ إذا كان الشباب لا يعترفون بالجمعيات ولا يعبرون عن رأيهم من خلال الجمعيات فهذا يعتبر ضربة للجمعيات ويعني أنها فشلت في النزول إلى الشارع.

البحرين تفتخر بأنها من الدول الطليعية في عالمينا العربي والإسلامي وتفتخر بأهلها الذين يشاركون الأمة الإسلامية همومها، ولكن المشاركة بحاجة إلى ضبط لكي لا نخسر قدرتنا على التأثير بصورة أكثر ايجابية.

منصور الجمري

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 198 - السبت 22 مارس 2003م الموافق 18 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً