تبدو دمشق في ظاهرها مدينة مسكونة بالهدوء عشية الحرب على العراق، فالسيارات بحركتها الكثيفة وزماميرها تملأ شوارع المدينة، فيما يتابع الجمهور تسوقه ومروره في الشوارع، والاطفال يلعبون في الحارات والشوارع الفرعية، وبعضهم يتابع طريق العودة من مدارسهم، على رغم الكثير من الهواء المغبر الذي سيطر على فضاء المدينة منذ صباح الثلثاء، وأدى إلى تخفيف حركة الجمهور في الأسواق والشوارع، ودفع كثيرا من سكان دمشق إلى الاعتكاف في بيوتهم، ما عدا المضطرين إلى الذهاب إلى اعمالهم وقضاء حاجاتهم.
وخارج هذا المسار الذي يبدو طبيعيا في الحياة اليومية للمدينة، فان اهالي دمشق منشغلين بموضوع الحرب على العراق وقد بات مؤكدا في ضوء الانذار الشديد اللهجة الذي وجهه الرئيس الاميركي للرئيس العراقي بالاستقالة ومغادرة العراق مع عائلته ثمنا لمنع الحرب، ويتوقع اهالي دمشق عدم الاستجابة العراقية لهذا الانذار العتيد، ولعل اهم تعبير عن الانشغال بموضوع الحرب، يظهر في الاسئلة عن التوقيت الممكن لبدء الحرب، ومدى الاضرار والخسائر التي سوف تصيب العراق والعراقيين نتيجة تلك الحرب، والأثر الذي تحمله تلك الحرب على سورية لاحقا.
وانسجاما مع موقف الحكومة السورية في معارضة الحرب، وهو أمر معروف ومعلن، حملت الصحف السورية عناوين رئيسية تنذر بالحرب وشرورها، مؤكدة انها «خروج على الشرعية الدولية» مما يعني اصرار دمشق على معارضة الحرب التي وصفتها صحيفة «النور» الدمشقية بـ «العدوان الأحمق» الذي «مصيره الفشل».
ويرسم عدد من المثقفين والفنانيين السوريين العائدين للتو من زيارة تضامنية قاموا بها إلى العراق صورة لبغداد عشية الحرب، فيتوقفون عند اجواء الحرب هناك، واستعدادات اهالي بغداد للدفاع عن مدينتهم، واعتبار معركة بغداد المعركة الاساسية في الحرب المرتقبة، وقد تحدثوا عن أحزمة دفاعية اقامتها الحكومة في بغداد اهمها الحزام النفطي الذي يمكن اشعاله على حدود المدينة لمنع قوات «الغزو الاميركي» من دخولها، مؤكدين ان الحكومة العراقية، وزعت نحو سبع ملايين قطعة سلاح على العراقيين، القسم الأكبر منها جرى توزيعه في بغداد على الاهالي للدفاع عنها في حال استطاعت قوات الغزو اختراق احزمة دفاع المدينة.
وهاجس الدمشقين بالحرب، دفعهم طوال الأشهر الماضية إلى تنظيم مسيرات وتظاهرات تعارض الحرب وتندد بالولايات المتحدة الاميركية وسياستها في المنطقة، وقد اشتركت في تنظيم غالبية هذه التظاهرات احزاب سياسية معارضة، وهيئات مستقلة بينها لجان احياء المجتمع المدني ولجنة المبادرة النسائية ومناهضي العولمة في سورية، وتنادت هذه القوى إلى اطلاق تظاهرات ضد الحرب عند اندلاعها.
وفيما يبدو الدمشقيون مشغولون بالحرب واسئلتها، وصل إلى مدينة السيدة زينب جنوب دمشق عدة الآف من العراقيين الفارين من جحيم الحرب المرتقبة، وثمة اخبار غير مؤكدة، ان الآفا أخرى من العراقيين عبرت الحدود السورية في منطقة شمال شرق سورية المتاخمة للعراق تجنبا لتداعيات الحرب ودمارها، بينما تحدثت تقارير دولية عن استعدادات منظمة الصليب الأحمر الدولي لتقديم المساعدة العاجلة لعشرين الف عراقي في سورية في حال اندلاع الحرب. ويفصح كثير من العراقيين القادمين إلى سورية عن ضيقهم بما صار اليه وضع العراق نتيجة سياسات الحكومة العراقية والرئيس صدام حسين، وبعضهم اعلن صراحة ان استقالة الرئيس حسين قد تمنع الحرب، لكن غالبيتهم أكد انه من غير المتوقع حصول ذلك.
واذا كان قدوم العراقيين إلى دمشق بين مقدمات الحرب، فإن بين تلك المقدمات، قيام حكومات دول عدة بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا واليابان الطلب إلى مواطنيها ودبلوماسييها مغادرة الأراضي السورية «كاجراء وقائي»، و«التزام أقصى درجات اليقظة» في حال «قرارهم البقاء هناك»، ما يعني سفر كثير من رعايا تلك الدول من دمشق، على رغم انه من غير المتوقع تعرض هؤلاء إلى اخطار، تنجم عن الحرب وتداعياتها، كما تشير كل التقديرات.
وسط انشغال السوريين بالحرب على العراق، وقلقهم من آثارها التي سوف تتجاوز العراق إلى جواره، كما قال احد نشطاء العمل العام في دمشق، يظل اهالي دمشق مشدودين إلى وسائل الاعلام واياديهم على قلوبهم من اعلان بدء الحرب
العدد 196 - الخميس 20 مارس 2003م الموافق 16 محرم 1424هـ