إن هناك قلقا ما زال يراود الكثير من الآباء عن سبب عزوف أبنائهم المراهقين عن الدراسة... فتصبح الدراسة عند هذا المراهق عملا غير مستساغ لا يحب مواصلته يحاول أن يلتف عليه وعلى المواصلة فيه بكل السبل فقد تجده في المرحلة المتوسطة يعزف عن مواصلة تعليمه الثانوي وإذا كان في الثانوي فهو يعزف عن مواصلة تعليمه في الجامعة وهكذا... لا بد أن هناك أسبابا يجب معرفتها فالخطأ تارة يكون من المراهق ذاته وتارة يكون من الأسرة وأخرى يكون من المحيط أو الحي الذي يعيش فيه أو الأصدقاء (قرناء السوء). نتعرض هنا لبعض الأسباب:
- عدم انسجام الطالب مع التخصص الذي اختاره أو اختير له، فبعض الآباء يلزم الابن قسرا باختيار تخصص لا يتناسب مع عقليته أولا ينسجم مع ميول وطموح الابن... بل هو مجرد رغبة لدى الاب ربما لم يحققها فأراد تحقيقها في ابنه من دون أن يراعي مدى ملاءمتها له.
- ما يلاحظه الشباب من تعثر في الحصول على عمل لدى قسم كبير من الخريجين، فإن وجود البطالة لدى خريجي الجامعات يكون عاملا مساعدا لزهد الشباب في الحصول على الشهادة فإنهم يرون أن كل ذلك يعد هدرا للوقت والعمر.
طبعا النظرة خاطئة فالشهادة سلاح للمرء يجب ألا يتنازل عنه وان فرصته في الحياة تعد أكبر من فرصة من لا يمتلك هذه الشهادة وان وجدت بطالة لدى خريجي الجامعات.
- المشكلة التي يعيشها شباب اليوم هي الرؤية القاصرة للتعليم فهم يعيشون أزمة وعي فهناك استهتار في الدراسة وعدم مبالاة فجزء من شباب اليوم يعاني من التسطيح الفكري وهو منغمس الى الرأس في الثقافة الاستهلاكية... ويرى الحياة عبارة عن سيارة وموبايل وتسريحة رأس... وذلك يقودهم الى عدم الوعي بمستقبلهم وأهمية أن يقسوا على أنفسهم، ولو قليلا في سبيل الحصول على ما يؤمن المستقبل.
- اهمال الاسرة في التربية والتوجيه والالحاح والمتابعة لدراسة هذا الشاب.
فبعض الشباب يعيش في اسرة لا أحد يسأل عنه فيها أحد. فالأب له انشغالاته ومتابعاته والأم لها اهتماماتها الخاصة وما بينهما يضيع الشاب إلى أن يسقط في مستنقع الفشل.
الأبناء بحاجة دائمة الى متابعة الدراسة منذ المراحل الأولى، ولعل المراحل الأولى لسنين الابتدائية من أهمها إذ تبنى القاعدة وهي تكون أخطر من المراحل اللاحقة... فإذن اهمال الأسرة له دور كبير في فشل الأبناء دراسيا.
- طبعا لا يمكن اغفال ضعف المنهج التعليمي في العالم العربي فهو مازال قاصرا ومازال التلاميذ يعانون من عدم ملاءمته في بعض جوانبه مع ما يعيشونه على الأرض... فالمنهج التعليمي منهج ببغائي قائم على الحفظ والتلقين يدرسه التلميذ ويحفظه لا ليجد له ترجمة على الواقع بل كي يحصل من ورائه على التقييم والشهادة، وهذه الغربة التي يشعرها الشاب بين ما يدرسه وما يراه على الأرض قد تعمل على تزهيد التلميذ بالتعليم.
ان عزوف الشباب عن الدراسة وعن مواصلة التعليم ينعكس سلبا عليهم وقد يسقطون في شراك الجريمة والمخدرات. فالفراغ الطويل غالبا ما يقود الشاب الى المواقع الخطيرة فالدراسات العلمية تشير إلى أن النسبة الكبرى من الجانحين إلى الحوادث كانوا غير منتظمين في دراستهم.
ان هناك 3 محطات - كما يقول علماء النفس - ذات تأثير مباشر على سلوك الفرد
- الأسرة
- المدرسة
- الحي
فالمدرسة أيضا تعطي تأثيرات كبيرة على هذا الشاب لذلك ينبغي للآباء أن يركزوا كثيرا على نوعية المدرسة ومدى توفقها في الطاقم الاداري فبعض من اخفقوا في دراستهم أيضا كان لبعض المدرسين سبب في ذلك فالمدرس اذا كان يعاني من عقدة معينة فإن تلك العقدة تظهر على سلوكه وربما يذهب ضحيتها شاب من هؤلاء الشباب.
وقد ظهرت في الآونة الأخيرة في العالم العربي صورة مشوهة لمدرسة هنا ومدرسة هناك، ونلحظ أن بعض أولياء الأمور الدقيقين يبحثون عن المدرسة الطيبة وهذا واقع. فبعض مدارسنا تدخلها وتظنها متحفا من القدم في البناء والتعامل وبعضها تجدها قمة في التحضر والتعامل... بناء جميل ومدرسون أكفاء وإدارة ناجحة.
إذا طبيعة تعاطي المدرس مع التلميذ لها دور كبير في رسم مستقبل هذا التلميذ، بعض المدرسين ينقل همومه الأسرية وأزماته النفسية إلى المدرسة وهكذا...
كما أن للحي دورا في رفع انخفاض مستوى الشاب فبعض الأحياء تجدها بؤرة للفساد، وهذا ما تلحظه من تسكع وتكدس بين زوايا الأحياء في بعض مواقعها...
بعض الآباء الفاهمين يبحث عن الحي قبل بناء البيت لأن الحي الناجح والأخلاقي سيترك بصماته على تربية الأبناء.
ان رسوب عدد كبير من تلاميذ بعض مدارسنا هذا العام في قسم الرياضيات يدق جرس انذار لمعرفة الأسباب الأساسية وراء هذا الرسوب فقد تكون الاشكالية في الأسرة أو المدرسة أو الحي (المدينة أو القرية)، وهنا يجب أن نعرف السبب لأن معدل الرسوب كان مخيفا يحتاج الى اعادة النظر وعلى وزارة التربية والتعليم النظر بجدية في الأمر، فهل وراء ذلك ضعف لغة المدرسة وعدم معرفة اللغة العامية لأن بعض الآباء يشتكون من عدم فهم أبنائهم لبعض مدرسي شمال افريقيا أو لعل هناك أسبابا أخرى
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 196 - الخميس 20 مارس 2003م الموافق 16 محرم 1424هـ