...وبدأت الحرب. بدأت الحرب الأميركية صباح الخميس 20 مارس/آذار 2003 عسكريا على العراق وسياسيا ضد العالم. إنها حرب لا شرعية وضد القانون الدولي وجريمة ضد الإنسانية. إنها حرب جرت على رغم إرادة العالم وبالضد من الملايين وصيحاتهم، والشعوب ومصالحها. إنها حرب اختبار واختيار والعالم الذي يتفرج اليوم على مشاهد الدمار والخراب لن يسكت. أميركا حاولت شراء الصمت إلا ان السكوت في لحظات معينة لا يعني الموت بل هو مجرد انتظار لصرخة واحدة: الله أكبر.
تستطيع الولايات المتحدة ان تتجبر وتتكبر وتفعل ما تريد. إلا ان إرادة الزمن أكبر وأقوى. فالزمن هو الغالب والبادئ أظلم. وعقاب الظالم على ظلمه مسألة وقت... «انه يمهل ولا يهمل».
الحديث عن المعركة وتفاصيلها العسكرية ليس مهما. فالحرب تخاض من جانب واحد، والتوازن مفقود بين القوتين، والتفوق لمصلحة الجانب الأميركي راجح الى درجة لا مجال فيها للمقارنة. فالضرب هو من جهة واحدة والمتلقي هو العراق. فشعب العراق هو ساحة الموت وميدانها.
وضعت الولايات المتحدة نصف جيشها النظامي المحترف (230 ألفا من أصل 460 ألفا) في المعركة، وانزلت الى الحرب سلسلة أنواع من القنابل والصواريخ والمعدات الجديدة التي لم تستخدم سابقا. إنها حرب اختبار للأسلحة أيضا.
إلى الاختبار هناك الاختيار. فأميركا تريد فرض خياراتها على العالم كله. واختارت العراق محطة بدء لقطار تعتقد انه سيواصل تقدمه من بلد إلى آخر. عقلية استعمارية قديمة بلباس عسكري حديث. والنتيجة هزيمة أميركا سياسيا.
ستربح الولايات المتحدة الحرب وبأسرع وقت ممكن. والصعوبات التي يتحدث عنها جورج بوش هي مجرد خداع للعالم وشعبه. فالصعوبات ليست عسكرية... إنها سياسية. ستربح واشنطن الحرب وستكسب شركات التصنيع العسكري مئات الملايين من الدولارات. وبعد الحرب ستكسب شركات النفط والبناء مئات أخرى من الملايين. وستضع إدارة بوش يدها على 40 في المئة من الاحتياط النفطي المكتشف في العالم.
إلا ان الحروب ليست دائما في النتائج العسكرية وإنما في المحصلة السياسية. والسؤال ما هي الأرباح السياسية التي سيجنيها جورج بوش وحزبه الجمهوري من هذه الحرب؟ حتى الآن خسر بوش المعركة السياسية فهو بدأ حربه والعالم ينظر إلى واشنطن بعيون حزينة ومكسورة وخائفة. فالعالم ليس خائفا من أميركا بل خائف عليها وعلى مستقبلها حين قرر أشرارها وضع كل الشعوب أمام قرار واحد وخيار مجهول.
رصدت واشنطن مئة مليار دولار لتدمير العراق. إلا ان ترميم العلاقات السياسية التي دمرتها إدارة بوش مع العالم تحتاج الى مئات أخرى من المليارات لإعادة بعض الصدقية للمشروع الأميركي. ترميم السياسة أصعب كثيرا من ترميم المباني والجسور والطرقات. والرشوة التي دفعتها واشنطن إلى الدول لا تكفي لشراء السياسة الدولية المناهضة أصلا لقيام الحرب.
لاشك في ان هناك جهات مستفيدة من الحرب. مصانع الأسلحة المستفيد الأول، شركات النفط المستفيد الثاني، شركات إعادة البناء والإعمار المستفيد الثالث بعد انتهاء العمليات الحربية، و«إسرائيل» المستفيد الرابع فهي قبضت عشرة مليارات من الدولارات (مساعدات وهبة وقروض) قبل لحظات من اندلاع العدوان... وهي أيضا المستفيد الأول من خراب العراق وضياع المنطقة العربية الى فترة ليست بالقصيرة.
كل هذه الجهات مستفيدة من حرب «الدمار الشامل» إلا ان الخاسر الأكبر هو صدقية الولايات المتحدة وسياستها الدولية. فواشنطن وضعت نفسها في مواجهة مع العالم. ومن يحارب العالم نصيبه الفشل والهزيمة. فأميركا قوية ولكن العالم أقوى. وأميركا غنية ولكن تحالف العالم أغنى منها.
حرب 2003 تختلف عن حرب 1991. وحرب الخليج الثالثة غير الثانية. في الثانية كانت الصورة واضحة والاجماع الدولي كان لمصلحة الولايات المتحدة. حتى المزاج العربي كان يميل الى دعم «التحالف» ضد العراق. العالم آنذاك كان يعيش لحظات انتقال تاريخية وشعوب الأرض كانت تنظر الى الولايات المتحدة كنموذج غالب انتصر في حربه الباردة على النظام السوفياتي. كان العالم يعيش لحظات فرح ويترقب بحماس ولادة نظام دولي جديد يعد بالطمأنينة والرخاء... وجاء صدام حسين ليفسد عليه الحلم بعالم جديد.
الآن اختلف المزاج الدولي وكذلك العربي. فالوعود ذهبت مع ذهاب رياح «الحرب الباردة» واكتشف العالم الكذبة (الخدعة) وان وراء بريق الانوار حالات بؤس يصعب السيطرة عليها من دون نهوض قيم انسانية تضع الانسان على رأس لائحة الاهتمام.
العالم اليوم اختلف. ودول العالم على أنواعها تنظر الى العدوان نظرة الخائف والمترقب تحصي الضحايا وتعد الأخطاء.
بدأت الحرب والعالم ينتظر ان تنتهي «حرب الخليج الثالثة» بسرعة. بعدها يبدأ الحساب. وحساب العالم مع الولايات المتحدة سيكون هذه المرة أضعاف أضعاف ما حصل معها في مجموع حروبها السابقة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 196 - الخميس 20 مارس 2003م الموافق 16 محرم 1424هـ