العدد 196 - الخميس 20 مارس 2003م الموافق 16 محرم 1424هـ

ما بعد الحرب: إعادة التشكيل ليس في التفاصيل

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

بدأت الحرب الاميركية على العراق على رغم أنف الأمم المتحدة وعدد مهم من الدول الكبرى من بينها أهم دول الاتحاد الاوروبي (فرنسا وألمانيا)، وبدأت مرحلة اعادة تشكيل الشرق الاوسط، وما سيتبع ذلك على المستوى العالمي ايضا.

على ان الاختلاف بين القوى السياسية الكبرى ليس على التفاصيل، على رغم انه يبدو كذلك عندما يتابع المرء الحوادث التي توجهت في بادئ الامر إلى تقارير بلكيس وتصريحات هنا وهناك. إعادة تشكيل الشرق الاوسط على الصيغة الاميركية بدأت في العراق في فجر الخميس 20 مارس/ آذار 2003، ولكن تاريخ اكتمال العمليات الاميركية ليس معلوما لأحد، وابعاده على دول المنطقة سيتم اكتشافها في الايام والشهور والسنوات المقبلة.

على المستوى العالمي بدا الاتحاد الاوروبي في وضع حرج بعد ان تحالفت بريطانيا مع الولايات المتحدة الاميركية وهي بذلك اوقفت التوجه الفرنسي ـ الالماني الذي كان يسعى منذ مطلع التسعينات إلى تحويل الاتحاد الاوروبي من اتحاد اقتصادي ـ اجتماعي إلى اتحاد سياسي ـ عسكري ـ اقتصادي ـ اجتماعي. الولايات المتحدة كانت منزعجة من التوجه الفرنسي ـ الالماني الذي سعى إلى تكوين آليات وطرح مشروعات لتوسيع الاتحاد الاقتصادي ـ الاجتماعي ليشمل الشئون العسكرية والسياسية، وتحدت اميركا الاتحاد الاوروبي عندما انفجرت حوادث البلقان في نهاية التسعينات، وانتظرت اميركا فشل المانيا وفرنسا في الوقوف امام صربيا لاثبات عدم قدرة الدول الاوروبية معالجة مشكلاتها الأمنية الاستراتيجية الداخلية (داخل اوروبا)، فكيف ستتمكن من حل أزمات خارجية؟ وبالفعل، انضمت بريطانيا إلى اميركا بشأن البلقان. وكان الحل الذي نفذ هو الذي قادته قوات الناتو (بقيادة أميركا).

الاتحاد الاوروبي كان من المفترض أن يكون الطرف الدولي المنافس «سياسيا وعسكريا» لأميركا لو تمكن من تأسيس هذين الذراعين، إلا انه عجز عن ذلك ووقفت بريطانيا ضد اية محاولة لتوسيع اتفاقات الاتحاد الاوروبي لتشمل الشئون العسكرية والسياسية. وهذا الرفض البريطاني خرجت آثاره في أزمة البلقان، ثم في الحرب الاميركية على العراق. فبريطانيا، وبدلا من تحالفها مع فرنسا والمانيا، ربطت مصيرها بالولايات المتحدة سياسيا وعسكريا، ووصلت حال التنافر بين بريطانيا وفرنسا أوجها قبيل بدء الهجوم الاميركي، عندما اتصل وزير الخارجية الفرنسي بوزير الخارجية البريطاني، ليقول له: «إنني اتفهم الضغوط التي تواجهها الحكومة البريطانية للمضي قدما في سياستها، ولكن الطرح الذي تطرحونه مخالف للحقائق، ولا يمكن ان ينخدع به اي شخص».

فرنسا والمانيا من الدول المتضررة في اعادة تشكيل الشرق الاوسط (ومن ثم العالم) مع غياب اي دور فاعل للاطراف المتعددة في عالم اليوم. فالتشكيل الجديد يناقض كل المبادئ التي تضعها بريطانيا واميركا على المستوى النظري.

فمن ناحية تتحدث الثقافة الأميركية والبريطانية عن «التعددية» أساسا للتعايش السلمي داخل مجتمعاتها، وان «الاحادية» كانت السبب وراء الدمار الذي لحق بالمجتمعات الاخرى. ولكن اميركا وبريطانيا لا تؤمنان «بالتعددية» عندما يتعلق الامر بالنظام العالمي.

اميركا تتحدث عن ارادة الشعب وحقه في تقرير مصيره وحقه في تحديد صيغة الحكم والنظام الا ان ذلك لا ينطبق على الشرق الاوسط؛ بل ان اميركا تقف خلف «خرافات» ينطق بها بعض اليهود في فلسطين، وتتخذ من هذه الخرافات اساسا للسياسة، من دون اي اعتبار لمفاهيم الديمقراطية وحق تقرير المصير وارادة الناس...

فعندما صرح وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد بأن 35 دولة في العالم (أقل من ربع عدد الدول الاعضاء في الامم المتحدة) تؤيد قرار الحرب الاميركي، لم يوضح كم واحدة من هذه الدول استشارت شعوبها، ولم يوضح كم واحدة من هذه الدول قائمة على اسس ديمقراطية، ولم يوضح كم واحدة من هذه الدول (وهي أقلية على اي حال) أيدت لأن اميركا وعدتها بالمساعدات أو الحصول على جزء من ثروات العراق المستقبلية، ولم يوضح كم واحدة ايدت لأنها خائفة من توجيه صواريخ «توما هوك» عليها مستقبلا فيما لو عارضت قرار الحرب الاميركي.

انه لمن الموسف حقا ان نشاهد ما تحدثت عنه اجيال سبقتنا يتحقق امام اعيننا. ففي الماضي كانت قوى خارجية تقرر شئون بلداننا، وفي الماضي كانت تلك القوات ايضا تطلق الوعود ويصدقها البعض، ويقبل بها آخرون مرغمين. مرغمون لأنهم يعانون من العوامل التي تحدث عنها المصلح الاسلامي الكبير جمال الدين الافغاني عندما اشار إلى ان العوامل الثلاثة التي ادت إلى تخلف أمتنا هي الاستعمار/ التدخل الاجنبي، والدكتاتورية المحلية، وجهل الامة بحضارتها وقوتها وامكاناتها. ولعلنا لا نجهل ـ بعد اكثر من مئة عام من ذلك التحليل ـ امكانات أمتنا.

لعلنا تخلصنا من بعض ظواهر ونفوذ المستعمر الاجنبي، ولكننا ايضا عانينا من دكتاتورية مستفحلة وتأصلت وتجذرت في كل جوانب حياتنا العامة. والدكتاتورية المحلية التي تعززت في البلدان العربية والإسلامية لا مثيل لها في دول العالم الأخرى، وبسببها تعطلت طاقات الأمة، بينما غيبت أهم طاقاتها في السجون والمنافي.

وهكذا نعود مرة أخرى عاجزين عن تقرير مصيرنا بعد ان أنهكتنا الدكتاتورية في كل مكان، وبعد أن استفحل الاستبداد السياسي وانتهت مدة صلاحيته حتى بالنسبة إلى تلك القوى الخارجية التي كانت تستفيد منه في يوم من الأيام...

وهكذا نصل إلى ما نحن عليه اليوم: أمة مسلوبة الإرادة، على رغم امكاناتها، وأمة تقرر شئونها خارج نطاقها بعد أن قضت الدكتاتورية على مصادر حيويتها.

غير اننا نؤمن بأن الله يقف مع من يسعى ويكافح من أجل حياة كريمة، لأن الله كرم بني آدم قبل أن تكرمهم الأمم المتحدة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948، ولا يمكن لأية قوة مهما كانت أن توقف السعي الحثيث من أجل حياة حرة كريمة خالية من الاستعمار، ومن الدكتاتورية، ومن الجهل

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 196 - الخميس 20 مارس 2003م الموافق 16 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً