لاتزال المجابهات الدامية بين ابناء القبائل والاديان - بما تؤدي اليه من خسائر بشرية ومادية كبيرة وما تفرز من توتر وعدم استقرار اجتماعي/ سياسي - تسمم الحياة اليومية للنيجيريين وتضع البلاد امام مستقبل غامض.
تعاني نيجيريا من مجموعة متشابكة من الاستقطابات المركبة على مجموعة من المشكلات يتداخل فيها العرقي بالديني، الفساد السياسي والاقتصادي بالشعور بالغبن والاضطهاد، لعل أهمها:
1- مشكلة الاندماج الوطني ويتمثل في التعارض بين الانتماءات الاولية للافراد وانتمائهم إلى الدولة، بسبب مجموعة متداخلة من الاعتبارات المرتبطة بتوزيع الثروة والسلطة وبالتكوين الثقافي للجماعات المختلفة، إذ يوجد في حدود الدولة التي انشأتها بريطانيا محمية لها العام 1914 حوالي (250) جماعة عرقية ولغوية مختلفة ناهيك عن انتماءات دينية متعددة (65 في المئة من السكان مسلمون، و25 في المئة مسيحيون، و10 في المئة احيائيون).
وقد اتخذت ازمة الاندماج الوطني ابعادا خطيرة باندلاع المصادمات الطائفية في مدن «لاغوس» و«ايبدان» و«كادونا» و«انا»... الخ بين المسلمين من قبائل الهاوسا/ الفولاني والمسيحيين من قبائل الايبو واليوربا (نوفمبر/كانون الثاني وفبراير/شباط 2000) اثر مطالبة المسلمين في الولايات ذات الغالبية المسلمة مثل «سوكوتو» و«زمفرا» و«النيجر» و«كادونا» و«يوبي»... الخ بتطبيق الشريعة الاسلامية والتي اسفرت عن مقتل اكثر من (1000) شخص من الجانبين بالاضافة إلى تدمير الممتلكات ودور العبادة الاسلامية والمسيحية، والمصادمات التي فجرها مقال صحيفة كُتِبَ بمناسبة اجراء مسابقة اختيار ملكة جمال العالم تعرضت للرسول محمد (ص) في يناير 2002 وخلفت نحو 250 قتيلا و1200 جريح وشردت اكثر من 12 ألف شخص، واشتباكات كثيرة اخرى اصغر حجما، ما جعل الاشتباكات الطائفية ممارسة شائعة.
2- مشكلة الفساد السياسي والاقتصادي، إذ يسود الفساد في اوساط النخبة السياسية والعسكرية والادارية. ارتبط الفساد بالاستعمار البريطاني (بدأت سيطرة بريطانيا على المنطقة العام 1861 قبل ان تحولها إلى محمية نيجيريا العام 1914 وتمنحها الاستقلال العام 1960م) الذي خلق نخبة سياسية فاسدة - وخصوصا في قطاع النفط إذ العلاقة وثيقة بين الاستعمار والفساد والاستثمارات الاجنبية (استثمارات اميركية بـ 7 مليارات دولار وبريطانية بـ 4,5 مليارات دولار) - تسعى - النخبة الفاسدة - إلى حماية مصالحها الذاتية. وخطورة مشكلة الفساد السياسي والاقتصادي تكمن في استحالة فتح ملفاته بسبب تورط رموز النظام، المدنيين والعسكريين، فيه، ما يجعل معالجته مستحيلة لأنها قد تؤدي إلى استفزاز هذه الرموز وتدفعها الى اسقاط النظام الديمقراطي الوليد.
3- مشكلة دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية إذ تهيمن المؤسسة العسكرية عبر المجلس العسكري المكون من 29 ضابطا من كبار القيادات العسكرية على الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، فالوصول إلى الجيش يفتح الطريق للوصول إلى السلطة الفعلية والسيطرة على الموارد الاقتصادية وعلى رأسها النفط (10 مليارات دولار سنويا).
4- مشكلة الفقر، إذ يرزح حوالي 80 في المئة من السكان البالغ عددهم (120) مليون نسمة تحت خط الفقر، بحسب احصاءات العام 1998، وإذ انخفض دخل الاسرة من 450 دولارا في العام، سنة 1979، إلى 250 دولارا العام 1999، هذا بالاضافة إلى بطالة مرتفعة (25 في المئة من القوى العاملة)، وَدَين خارجي كبير (40 مليار دولار العام 1995)، وتضخم ضاغط (33 في المئة العام 1998)، بالاضافة الى انتشار ظاهرة نهب المال العام (اختفى 12,2 مليار دولار من عائدات النفط في الفترة من 1990 إلى 1994) في بلد يشكل النفط من 90 إلى 95 في المئة من صادراته ويشكل 80 في المئة من الدخل القومي، وتآكل الاحتياطي النقدي (انخفض من 7,1 مليارات دولار في شهر يونيو/ حزيران 1998 إلى 3,75 مليارات دولار في شهر مايو/ آيار 1999)، وعجز في الموازنة بلغ العام 1999 (3,9 مليارات دولار)، كل هذا مع عجز عن دفع رواتب الموظفين (اضرب سلك الشرطة العام 2001 في 13 ولاية من اصل 36 ولاية بعد التأخر في دفع رواتبهم لمدة 4 أشهر، ناهيك عن اضراب العمال نتيجة رفع اسعار الوقود بنسبة 18 في المئة. السلطة اعتبرت اضراب الشرطة «تمردا» واعتقلت العشرات منهم وفصلتهم من وظائفهم، واعتبرت اضراب العمال غير دستوري واعتقلت قادة مؤتمر العمل النيجيري). كل هذا مع ارتفاع معدلات الجريمة والعنف وعمليات السطو المسلح وانتشار المخدرات وارتفاع نسبة المصابين بمرض الايدز.
5- مشكلة التفاوت الاجتماعي بين الشمال والجنوب إذ يشعر ابناء الجنوب من قبائل اليوربا والايبو (المسيحية) بالغبن والحرمان بسبب سيطرة اهل الشمال المسلمين على الحياة السياسية والاقتصادية، وتسخير سيطرتهم على المؤسسة العسكرية، إذ تسيطر الهاوسا / الفولاني على الجيش والسلطة في بلد يصعب الفصل فيه بين المؤسسة العسكرية والسلطة، وقد عبّر الشعور بالغبن عن نفسه بقيام سكان جنوب شرق البلاد (مصب نهر النيجر حيث النفط وخطوط نقله) بتفجير انابيب النفط لسرقته وبيعه، وأدى ذلك إلى اشعال حرائق كبيرة مرارا وقتل العشرات، بالاضافة إلى خطف العاملين في شركات النفط من الاجانب للحصول على فدية.
لقد تداخلت هذه المشكلات وتشابكت وغذّت بعضها بعضا، وخصوصا في ظل سيطرة الفوضى والانقلابات العسكرية التي استمرت أربعة عقود، ما جعل الخروج من عنق الزجاجة مسألة في غاية الصعوبة، فالنخبة السياسية والاقتصادية الفاسدة متمسكة بمكاسبها وترفض فتح باب المحاسبة، والمؤسسة العسكرية المتداخلة والمتشابكة معها لا تريد الخروج من المسرح السياسي، والصراع الطائفي الاجتماعي يثير العواطف والعواصف
العدد 194 - الثلثاء 18 مارس 2003م الموافق 14 محرم 1424هـ