دخلت مشكلة البطالة المزمنة مرحلة جديدة. وبحسب التصريحات الرسمية على اكثر من صعيد، فإن هذه المشكلة تتطلب جهودا مشتركة أهلية ومن الدولة حتى يتمكن المجتمع من القضاء عليها نهائيا.
ومنذ مجيء وزير العمل الجديد مجيد العلوي ومن خلال تصريحاته شبه اليومية في الصحافة تشير إلى أنه مهموم بالفعل بقضية البطالة، كما أنه جاد في ايجاد الحلول قدر الامكان.
ولكن مع كل تقدير للرغبات والطموحات، فإن قضية البطالة لم تخط سوى الخطوة الأولى على طريق الحل، في حين أن لب المشكلة لايزال قائما. كما أن قضية البطالة فيما نعتقد تتجاوز الوزير ووزارة العمل. فهناك على صعيد العمالة المجلوبة اعداد هائلة ممن يسميهم وزير العمل «الرخص الحرة» والمعروفة على الصعيد الشعبي «بالفري فيزا».
بالاضافة إلى أمور أخرى من شأنها اعاقة احلال المواطنين أو القضاء على البطالة بالفعل مثل تشابك المصالح والمراكز على صعيد أجهزة الدولة.
إلا أن المتابع لقضية البطالة، يتساءل لماذا «الفري فيزا» ومن المسئول عنهم، لا شك في أن وزير العمل وغيره وحتى المواطنين العاديين يعرفون من المسئول عن «الفري فيزا» أو الرخص الحرة، بحسب تعبير الوزير. ولكن شتان بين معرفة الوزير وهو صاحب قرار وعنصر اساسي في الحكومة وبين معرفة اي مواطن آخر لا يملك سوى أن يعرف فقط.
من هنا فإن قضية البطالة في البحرين لا تحل بالتصريحات ولا بالاقوال. إنما تحل بالافعال والسياسات العملية. واذا كان الامر كذلك، فان أول خطوة في طريق حل البطالة هو اتخاذ اجراءات حقيقية تجاه عشرات من الافراد ذوي المصالح والمستفيدين من ظاهرة «الرخص الحرة» وقد أثروا طوال الثلاثين سنة الأخيرة من جراء تجارة الفري فيزا، وقد اصبح لهؤلاء - وكل أهل البحرين يعرفون ذلك - مواقع مقررة ومتنفذة في الشركات وفي مؤسسات الدولة.
بهذا المعنى فإن قضية البطالة ليست قدرا مكتوبا على أهل البحرين، بل هي مشكلة تاريخية برزت في لحظة تاريخية معينة، بالامكان القضاء عليها وفق اجراءات محددة وصادقة، لا تخص وزارة العمل ولا وزيرها، انما تشمل مختلف مؤسسات الدولة والوقوف في وجه اولئك المعيقين للبحرنة.
فلوسألنا ما هي السياسة العامة للدولة للقضاء على البطالة، فإننا لن نجد سياسة من هذا القبيل، بقدر ما نجد اجتهادات تأتي من هذا الوزير ثم تأتي اجتهادات اخرى من وزير آخر... وهكذا، اما الدولة فلا توجد لديها سياسة محددة الاهداف والابعاد والاستراتيجيات ووفق خطة زمنية معلومة، فهي منذ تأسست وزارة العمل تخضع لاجتهادات الوزراء المتعاقبين وكل وزير وشطارته.
معنى ذلك أن قضية البطالة لم ترق إلى المرتبة الأولى في اولويات سياسة الدولة الاجتماعية والاقتصادية، اذا ما تركنا التصريحات جانبا، وهذا من شأنه أن يراكم هذه الظاهرة - البطالة - لتصبح قنبلة موقوته، وهي كانت دائما قنبلة موقوته خلال الخمسين سنة الأخيرة من تاريخ البحرين.
يبقى القول اذا كان الحلم مطلوبا لانجاز أية مهمة، فإنه غير مطلوب في قضية البطالة في البحرين. فالقضية مزمنة، وواضحة المعالمم والابعاد، وتحتاج إلى سياسة جذرية - ربما مؤلمة للبعض - لكنها بالتأكيد ستفيد على المديين القريب والبعيد، الوطن والمواطنين على قدر سواء، وهذا هو الأصل، إذ المستفيد هو المواطن، لا هذا الفرد أو ذاك
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"العدد 192 - الأحد 16 مارس 2003م الموافق 12 محرم 1424هـ