وأنا انتقل من مأتم إلى آخر، بحثا عن ثواب المشاركة في مصاب الحسين عليه السلام، والذي يحيي العالم الإسلامي ذكرى استشهاده، هذه الأيام تذكرت كلام الفيلسوف الإيراني الكبير المرحوم مرتضى مطهري في خطبة له في عاشوراء العام 1390هـ.
وأسباب تذكّري تلك الخطبة كثيرة، أولها ما يحدث لاخواننا وأحبتنا في فلسطين من ظلم لا يوصف، وشلال الدم الطاهر يسيل ولا حياة لمن تنادي من العرب والمسلمين. وثانيها ما ينتظر أهلنا الصابرين على الأذى في العراق الممتحنين في دينهم منذ عقود، والذين ينتظرون الامتحان الأكبر في دينهم ودنياهم مع كل ساعة نقترب فيها من الغزو المرتقب لبلادهم. وثالثها هو ما يذهب إليه السيد الجليل حسن نصرالله منذ سنوات من «مذهب جديد» في إحياء ذكرى عاشوراء، يستنهض عبره همم الأمة بكل فئاتها وانتماءاتها دفاعا عن القضايا المركزية معتبرا إياها الحادث «العاشورائي» الذي يربط مصاب الحسين بمصيبتي فلسطين والعراق وسائر المصائب الأخرى الملحة.
فماذا قال المرحوم مطهري قبل نحو 34 سنة بهذا الشأن: «هل سألنا أنفسنا ونحن نحيي عاشوراء... لو كان نبي الإسلام حيا بيننا اليوم بماذا كان مشغولا؟ وكيف هي حاله؟ والله وبالله أقسم أن النبي الأكرم (ص) إنما يرتعش جده الشريف وهو في قبره من اليهود وأعمالهم. والله إنها القضية الفلسطينية التي كانت ستشغله. ووالله انها القضية الفلسطينية التي تدمي قلب الحسين بن علي. فإذا كنا نحترم أنفسنا حقا ونقدر عزاء الحسين حق التقدير، فإن علينا أن نتصور ماذا كان سيطلب منا لو كان ـ عليه السلام ـ بيننا اليوم، وأراد منا أن نقيم له العزاء؟ ترى أي الشعارات كان سيطالبنا بترديدها؟ هل كان حقا سيطالبنا بأن نقرأ في المجالس أين ابني علي الأكبر؟ أو الوداع الوداع يا زينب المعذبة؟... لا والله، بل انه كان سيقول لنا إنكم إذا كنتم تريدون إقامة العزاء حقا من أجلي وأردتم الضرب على الصدور والخدود من أجلي فإن شعاركم لابد أن يكون فلسطينيا. فشمر اليوم هو موشي ديان (اقرأ: شارون) لأن شمر ما قبل ألف وثلاثمئة سنة قد مات ومن واجبك أن تتعرف على شمر هذا العصر، إن جدران مدننا يجب أن تهتز اليوم من شعارات التضامن مع فلسطين... (من كتاب الملحمة الحسينية للشهيد مرتضى مطهري).
إن هذه المدرسة التي أسسها روّاد نهضة التضامن الإسلامي الأوائل، والتي يكرسها اليوم سيدحسن نصرالله في عزائه الحسيني الذي تابعه الملايين عبر شاشات الفضائيات، وهو يذكر بجرح فلسطين النازف وجرح العراق الذي يَكبُر يوما بعد يوم، ونحن نقترب من موعد زحف الغزاة عليه، إنما تنادينا من القلب إلى القلب وتطالبنا بإلحاح بضرورة إعادة النظر الجدية في منهج إقامة الشعائر الإسلامية عموما، وفي مقدمتها ذكرى إحياء مصاب الحسين الشهيد، سيد الشهداء وإمام الشهداء.
إن أطفال فلسطين وأطفال العراق هم أطفال الحسين المظلوم اليوم، وإن سبايا فلسطين وسبايا العراق اليوم هم سبايا الحسين اليوم، وشمر العصر اليوم هو شارون وحلفاؤه من متصهيني الإدارة الأميركية المتغطرسة التي ترفض كل نداءات السلام التي أجمعت على إطلاقها شعوب العالم ومساجد العالم وكنائسه وأحزابه وتياراته وفئاته وطبقاته وألوانه المختلفة.
بينما تصر على انه لا حل إلا بالحرب، على رغم علمها بأن الحرب لن تجلب الديمقراطية ولا الحرية ولا الرفاهية لأحد في العراق أو فلسطين، بل إن ما ستجلبه إلى أطفال العراق وفلسطين مزيدا من اليتم والظلم والمجاعة وسوء الحال.
إنهم إذن يقتلون الحسين من جديد في فلسطين والعراق.
وما علينا إلا أن نرد الرمح إلى شمر العصر وقاتل الحسين المعاصر إذا كنا من أهل الحسين ومحبي أهل الحسين
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 190 - الجمعة 14 مارس 2003م الموافق 10 محرم 1424هـ