العدد 187 - الثلثاء 11 مارس 2003م الموافق 07 محرم 1424هـ

الفقير و«مدن الملح»

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

الدور الذي ينبغي أن تمارسه قوى المعارضة في البحرين تجاه ملف الفساد المالي والإداري لدى المؤسسات الخاصة والعامة مازال غائبا ويعاني من تلكؤ قديم، فعلى رغم بشاعة وفضائحية كثير من هذه القضايا التي انفجرت متسارعة وفي زمن قياسي متقارب لم يُر الدور المطلوب من المعارضة.

فقد بات الشارع البحريني يتساءل كثيرا عن سر تلك الغيبوبة الطويلة أو عدم الاعتناء أو التبني لمثل هذه الملفات الحساسة والعالقة التي باتت تؤرق المواطن البحريني.

يجب أن نخرج من مرحلة رفع الشعار وتوزيع الأوسمة والاستعراض الكرزمي الى مرحلة أكثر فاعلية، وهي ملاحقة تلك الملفات المربكة التي تسببت في ضياع المواطن البحريني وخصوصا ملفات: الفساد الإداري والمالي للقطاع العام والخاص، و عملية السطو واحتكار البحار وتوزيعها على المحابين والمتقربين، وعملية اقصاء وتسريح المواطنين في أكثر من شركة، إذ أصبحت قضية (إعادة الهيكلة) لعنة تلاحق كل موظف بحريني. والمشكلة أن حجة إعادة الهيكلة وخفض النفقات وخصخصة القطاعات لا تلاحق إلا المواطنين. والملفت للانتباه ان السيناريو ذاته يتكرر في أكثر من قطاع.

وهنا بدأت تحول المواقع المفصلية في يد أجانب ومع الأيام يجد البحريني ذو الخمسة عشر عاما خبرة أو الـ 20 عاما في حال نزول والموظف الأجنبي في حال صعود.

البعض يقول: إننا بحاجة الى خبرة الأجنبي ما لم يتوافر خبير وطني. وهذا صحيح ولكن يجب ألا يتحول ذلك الى «عقدة نقص» تحوجنا إلى خبراء حتى في عملية الطهو والطباخة وبأسعار خيالية.

والملفت في كل ذلك ان الأجنبي دائما مرتبه الوظيفي يفوق بشكل جنوني مرتب المواطن... حتى لو كان المواطن في منصب أكبر و كان أكثر كفاءة. فمدير قسم مثلا في القطاع الخاص أو العام قد يتقاضى 1500 دينار، في حين لو حل محله أجنبي فإنه يحصل على 3000 دينار من دون العلاوات، وتجد القضية تحصل حتى على مستوى الطبخ أو الضيافة.

المعارضة بحاجة إلى ملاحقة مثل هذه الملفات و هذه القضايا والى متابعتها وعدم الاكتفاء بالإشارة اليها في محاضرة أو كتابة بيان وإنما تجب المتابعة حتى يشعر المواطن بأن همومه حاضرة ضمن اجندتها، ويجب ان نحاسب المعارضة أيضا على مواضع الضعف من دون ان نتجاهل مواقع القوة التي كنا أشرنا لها أكثر من مرة في أكثر من مقال.

ان لدينا شخصيات من كل الأطياف يشهد لها بالاتزان - على رغم اخفاقات بعض التصريحات المتسرعة - التي تحمل إيقاعات كارزمية. ولكن إيجابية المعارضة أو الشخصية أو الرمز يجب ألا تصرفنا عن مساءلتها ونقدها بأسلوب حضاري عصري يقيها الوقوع في شرك التفرد بالقرار أو الموقف أو التصريح أو الأجندة.

والمساءلة النقدية المتوازنة يجب ان تحاسب كل من يعمل في الشأن السياسي والاجتماعي والثقافي بما في ذلك المؤسسات، والرموز من أطياف المعارضة، والمثقفون والكتاب و... فيجب ان تكون هناك مساءلة ورقابة.

ان تعزيز آلية الرقابة الشعبية لطبيعة الخطاب والأداء بطريقة متوازنة يقينا خطر تضخم الكارزمة والتضخم الذاتي. لذلك نجد الإمام علي (ع) كان يعوّد أصحابه على النقد الموضوعي والمساءلة الواقعية حتى لأداء سلطة حكومته. والمعارضة البحرينية برموزها تميزت بالإخلاص ولكنها بحاجة الى لفت نظر وذلك بسبب عدم تتبعها الملفات الساخنة والخطيرة التي أشرت إليها سابقا، ويجب ان يعمل الشارع بالضغط في هذا الاتجاه على المعارضة بدلا من الاقتصار فقط على الندوات والكلمات.

إن هذه الملفات بدأت تهدد حتى مستقبل هذا المواطن انطلاقا من ملف التجنيس الى ملف البطالة الى ملف الفساد الى ملف الدين العام وهاجس القروض التي تنوي الحكومة الاقدام عليها الى ملف العبث ببساتين الفلاحين الى عملية إهمال القرى.

لاشك لو ان المعارضة بكوادرها قامت بمتابعة كل قضية عن طريق تبني ملفها وبإلزام متابعين لاستطاع المواطن حصد الكثير من الثمار وهذا ما نأمله من المعارضة.

- مشكلة البرلمان البحريني ان رئيس البرلمان مازال يركز على قضايا هامشية وقديمة.

وجلالة الملك أكد كثيرا على رئيس البرلمان الاهتمام بالقضايا الملحة للمواطن بدلا من التركيز على الامور الهامشية. هذا ما اكده أكثر من نائب حضر اللقاء. وعلى رغم ان وزير الأشغال والأسكان صرح بشيء خطير سابقا وهو ان هناك نية لخصخصة المصرف (بنك الاسكان) ولكن بعد سنتين، وعلى رغم كل ذلك ستمر قضية «الاستقالة» وقضايا غير الاستقالة بلا اي متابعة !! وتبقى هناك اسئلة ملحة يجب طرحها قبل الاقدام على الخصخصة كما يطرح ذلك الاقتصاديون. تجب معرفة جدوى تخصيص المصرف وهل هناك فائدة وطنية في الامر؟

وقبل كل ذلك تتحتم ضرورة معرفة الاصول التي يديرها المصرف وايضا اصدار كشف دقيق تقييمي لكل المراحل التي مر بها المصرف سابقا وحاليا وهذا طبعا يقع على عاتق البرلمانيين الوطنيين وليس المصفقين في البرلمان، مدعومين من المعارضة ايضا. طبعا بعد فك اشكالية التنسيق ام لا، لان كل عمل تقوم به الحكومة له انعكاس على حياة الناس وعلى التنمية الاقتصادية، فالقضايا اذا اصبحت في النسيان وبلا محاسبة سنصل إلى واقع أكثر تذمرا واحتقانا. هناك ملفات يجب ان يتطرق اليها، فالمعارضة برموزها الأولى من اسلامية ووطنية هي صمام الامان وهي الملجأ الآمن الذي يرجع اليه الشارع وهم أهل لذلك اذا حاولوا تعديل الاجندة.

قبل ايام اعلنت شركة الاتصالات السلكية واللاسلكية، ارتفاع صافي ارباحها في العام الماضي الى 58,023 مليون دينار مقارنة مع ارباح تبلغ 54,290 مليون دينار في العام الذي قبله. فلماذا لا يستثمر جزء من الأرباح لصالح مشروعات وطنية انسانية؟

المواطن اذا شعر بأن هناك من سيترافعون عنه واذا شعر المتنفذون الاجانب بأن هناك شارعا يضغط ويراقب وان هناك رموزا وقوى شعبية ومراكز مجتمعية ومؤسسات مدنية تراقب القطاعين وخصوصا في تعاطيها مع المواطنين فان المواطن سيشعر بالامان والمتنفذ بعدم الاستهتار في التعاطي مع ارزاق الناس. وهذه هي المشكلة، ما تقوم به الشركات الكبيرة تقوم به الصغيرة وكلنا في عمليات الطرد الوظيفي

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 187 - الثلثاء 11 مارس 2003م الموافق 07 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً