العدد 187 - الثلثاء 11 مارس 2003م الموافق 07 محرم 1424هـ

السيناريو البديل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في حال وقعت الحرب على العراق، وهي مسألة مرجحة، ما السيناريو الاقوى الذي ستعتمده اميركا بعد سلسلة الاعتراضات التي واجهت الولايات المتحدة في مجلس الأمن والاتحاد الاوروبي ودول عدم الانحياز التي تضم الدول العربية والاسلامية وغيرها من دول «العالم الثالث»؟

في معلومات سابقة نقلت الصحافة الاميركية سيناريوهات تتحدث عن احتلال شامل تقوم به القوات من الجهات الثلاث الشمالية والجنوبية والغربية. والاحتلال يأتي بعد قصف تدميري شامل يشل قدرة العراق على المقاومة، تعقبه حملات برية تنتهي بالاستيلاء على بغداد في مدة تتراوح بين اربعة وستة اسابيع على اكثر تقدير.

بعد الاستيلاء تبدأ عمليات المطاردة والاعتقال وإعادة تأهيل الجهاز الاداري. في هذه الفترة تستدعى المعارضة العراقية من الخارج لتولي مسئوليات الحكم بالتعاون مع طواقم ادارية اميركية تختارها واشنطن من اسماء رشحتها جهات رسمية في البيت الابيض. فترة اعادة التأهيل تستمر نصف سنة، بعد ذلك تأتي فترة اعادة البناء وتأهيل البنية التحتية للدولة العراقية وتستمر ايضا نصف سنة.

مضى إلى الآن على الوجود الاميركي، وبحسب الخطط الموضوعة على الورق، أكثر من سنة تكون خلالها القوات نظمت انتشارها وتمركزت في المناطق والمفاصل المهمة والحساسة في مختلف الجهات العراقية وتحديدا في نقاط الحدود المجاورة للدول المحيطة كالسعودية والاردن وسورية وايران. ويرجح في هذا الاطار ان تقوم واشنطن بحركة مناقلات لقواعدها وجيوشها في تركيا والكويت معتمدة على المطارات العسكرية العراقية. فالعراق بعد الاستيلاء عليه سيتحول إلى قاعدة مهمة وخط مواجهة تعتمد عليه واشنطن في سياستها المقبلة في دائرة «الشرق الاوسط». فالعراق الاميركي سيكون محطة انطلاق لتحريك واثارة القلاقل والضغط السياسي - النفسي على الدول المجاورة وتحديدا ايران وسورية لحسابات مختلفة وعلى رأسها اعادة رسم العلاقات وفتحها مع «اسرائيل» من طريق المفاوضات أو الاكراه.

هذا هو السيناريو الذي سربته الصحافة في الفترة الماضية. والسؤال: هل تغيَّرت خطة الهجوم ومحطاتها الزمنية بعد ظهور تلك الاعتراضات الدولية والاقليمية وانكشاف الولايات المتحدة امام الرأي العام العالمي؟

المرجح ان تكون هناك سيناريوهات بديلة. فأية دولة في العالم، كبيرة أو صغيرة، لا يمكن ان تعتمد على خطة واحدة. ولابد ان تكون الولايات المتحدة وضعت في حساباتها مجموعة احتمالات تعتمد سلسلة سيناريوهات مختلفة لمواجهة تغيرات غير متوقعة دوليا واقليميا. فالظروف التي بدأت منها واشنطن في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لم تعد على حالها و«المزاج الدولي» تبدَّل وخسرت الولايات المتحدة الكثير من التعاطف اضافة إلى التأييد السياسي المطلق.

اختلاف «المزاج الدولي» قلص كثيرا خيارات واشنطن، وأربك سيناريو الاحتلال والاستيلاء على بغداد في مدة ستة اسابيع. فالعالم اليوم ينظر بانتباه إلى ما يجري، ويراقب كل الخطوات والتحركات ومعظم دول الاتحاد الاوروبي اضافة إلى روسيا والصين ومجموعة الدول العربية والاسلامية مضافا إليها الكثير من دول آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية غير موافقة على فكرة الحرب وليست متعاطفة مع خطة الهجوم والاستيلاء البري على العراق وصولا إلى عاصمته المركزية.

وبسبب المراقبة الدولية لابد ان تحسب الولايات المتحدة لاحتمالات الخطأ في الحسابات وظهور عناصر جديدة غير متوقعة على خطة السيناريو التي تسربت كمعلومات عسكرية إلى الصحافة.

ما التعديل المرجح على خطة الاستيلاء على العراق؟

الاحتمال الاقوى هو تأجيل الهجوم البري والاكتفاء بالقصف الجوي والتدمير الشامل لكل المراكز والمحطات والقواعد والمصانع والجسور لشل قدرات الدولة واضعاف مراكز الاتصالات والمواصلات. وترافق القصف الجوي عمليات تمركز للقوات الاميركية في ثلاث مناطق في الجنوب والغرب والشمال وتطويق وسط العراق وتركه لفترة زمنية يتخبط داخليا.

البديل هو مراهنة الولايات المتحدة على الفوضى الاهلية العامة التي يحتمل ان تندلع في مناطق وسط بغداد (ثلث العراق) في وقت تكون قد استكملت حشدها السياسي والعسكري في الشمال (تركيا) والجنوب (الكويت). وانطلاقا من المناطق الشمالية (الموصل، كركوك، اربيل، السلمانية) والجنوبية (البصرة وغيرها من مدن وقصبات مجاورة) يعاد تأسيس عناصر دولة بديلة يمكن استخدامها في حال انهار الوسط من دون هجوم بري اميركي. فالرهان الاميركي هو على سقوط بغداد بالحرب الاهلية أو بالفوضى العامة المطوقة اميركيا من الجهات الثلاث.

هذا السيناريو البديل يعاني من مشكلة وهي ان فترته الزمنية طويلة نسبيا يرجح ان تمتد الى ستة اشهر وربما سنة على اقل تعديل حتى تكون بغداد جاهزة للسقوط اهليا بدعم اميركي من قواتها المتمركزة في الجنوب والشمال.

وامتداد الفترة الزمنية لا يناسب الادارة الاميركية التي لم تعد تحتمل التطويق الدولي في مجلس الأمن والاتحاد الاوروبي. فالقوة الآن لمصلحة اميركا، أما عامل الوقت فهو لا يعمل لصالحها. وهنا الازمة الحقيقية لجبروت واشنطن وعناد ادارتها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 187 - الثلثاء 11 مارس 2003م الموافق 07 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً