العدد 187 - الثلثاء 11 مارس 2003م الموافق 07 محرم 1424هـ

الصحافة ركيزة حضارية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في شهر ابريل/نيسان من كل عام يخرج من يذكّرنا بأن الأول منه هو «عيد الكذب» وهو يوم مسموح فيه بأن يكذب الإنسان. وقبل عدة سنوات خرجت صحيفة أوروبية محترمة لتنشر خبرا كاذبا عن انقسام بلجيكا إلى بلدين. غير أننا في بلداننا الشرقية لا نحتاج إلى عيد للكذب. هذا ما قاله أحد المسئولين اللبنانيين قبل سنوات فقد صرح بأن «الكذب لدينا لا يحتاج إلى عيد».

فالصحافة في البلدان غير الديمقراطية يختلط فيها الكذب بالصدق، ويضطر المواطن العادي إلى قلب الخبر رأسا على عقب لفهم ما يجري في بلده.

هيئة الإذاعة البريطانية تمتلك أكبر التجهيزات لبث الأخبار والتقارير باللغة العربية، والإذاعة العربية تأتي مباشرة بعد الإذاعة باللغة الإنجليزية من حيث الحجم والقدرات. هذه الإمكانات الكبيرة توازيها إمكانات مماثلة لدول أخرى توجه إعلامها باللغة العربية. وهذه الاهتمامات لها دورها، لأننا مازلنا أقوياء على رغم ادعاء أعدائنا عكس ذلك.

ولو لم نكن نملك إمكانات القوة (فيما لو عرفنا أنفسنا) لما اهتم بنا العالم.

فالعرب والمسلمون هم أضعف الأمم في الإعلام، ومازالوا لا يستطيعون إيصال كلمتهم إلى العالم بالطريقة الملائمة لقضاياهم الكبيرة.

وهناك الكثيرون ممن يندبون حظهم لأنهم عرب ومسلمون إذ كيف يخسرون أبسط وأوضح القضايا؟! بسبب عجزهم الإعلامي، ويعود هذ العجز إلى أسباب تاريخية وأخرى سياسية. الأسباب السياسية هي عدم ثقة الماسكين للسلطة بأنفسهم وعدم ثقتهم بأمتهم. ولهذا فإنهم بحاجة إلى استخدام الإعلام وسيلة ضغط لرأيهم الخاص على الرأي العام، بدلا من العكس. أما من الناحية التاريخية فيمكننا استقصاء بعض أسباب عجزنا في هذا المجال.

فالصحافة هي أساس لا يمكن الاستغناء عنه في عالم اليوم القائم على قوة الكلمة وسعة انتشارها، والصحافة قامت على الطباعة، والطباعة قامت على الورق الذي اكتشفه الصينيون قبل غيرهم. لقد اكتشف الصينيون الورق ولكن انتشار العلوم (بفضل الورق) لم يحدث إلا على أيدي المسلمين الأوائل. في إحدى المعارك بين الجيش الإسلامي وبعض القوات الصينية في آسيا الوسطى في العام 751م وقعت يد المسلمين على آلة لصناعة الورق. وسرعان ما انتشرت صناعة الورق في العالم الإسلامي إلى الدرجة التي أصدر فيها هارون الرشيد أمرا يفرض استخدام الورق (بدلا من الصفائح وغيرها) في جميع مراسلات الدواوين والمكاتب التابعة لسلطاته. وسرعان ما أصبح العلم المكتوب على الورق في متناول اليد، وسرعان ما ظهرت مهنة ترجمة العلوم ونشرها على الورق المصنّع بصورة كبيرة. وهكذا بدأ المسلمون يسيطرون على العلوم ويطورونها وينشرونها.

غير ان الصورة بدأت تتغير في القرن الخامس عشر. فعلى العكس من الأوروبيين الذين استلهموا الدروس من المسلمين وبدأوا باستخدام الأوراق واخترعوا «المطبعة» في القرن الخامس عشر، وهذا يساهم في نشر نهضتهم الفكرية. في ذلك الوقت كان السلطان العثماني يصدر أمرا سلطانيا في العام 1485م يحرم فيه المطابع. ذلك التحريم أوقف عجلة العلوم لدى المسلمين، ولم يُسمح لذلك إلا لبعض اليهود الذين لجأوا إلى المسلمين هربا من الاضطهاد الكاثوليكي في اسبانيا في القرن السادس عشر. وهكذا بدأ اليهود نشر الكتب في اسطنبول وعدد من المدن العثمانية. وقد سمحت لهم السلطات العثمانية بنشر الكتب (باستخدام المطابع) شريطة ألا يطبعوا أي شيء باللغة التركية أو العربية. وقد أصدر بعضهم فتوى تبرر ذلك بالقول إن المطابع إذا لم سمح لها ان تطبع باللغة العربية، فستحرّف القرآن الكريم لاحقا!!! ولهذا فإن المطابع التي انشأها اليهود لم تستطع طباعة أي شيء إلا بالعبرية وبعض اللغات الأوروبية الأخرى. ولم تستطع المطابع العربية الظهور إلى الحياة إلا في ايطاليا مطلع القرن السادس عشر، ولكنها كانت تطبع الانجيل فقط والكتب المسيحية. والمطابع العربية العثمانية لم تستطع الظهور إلا في القرن الثامن عشر (في حدود 1721م). وقد اشترط على هذه المطابع (العثمانية) عدم طباعة أية نسخة من نسخ القرآن أو الكتب الدينية!

قراءة سريعة لكيفية تعاملنا (كمسلمين) مع ركائز العصر الحديث نكتشف من خلالها لماذا يستطيع غيرنا إيصال رسالته إلى العالم بينما نعجز حاليا ـ نحن العرب والمسلمين ـ عن إيصال أي من قضايانا الواضحة إلى العالم.

إذا أردنا أن ننطلق بأمتنا إلى الأمام من دون الحاجة إلى الكذب أو البكاء أو اتهام الآخرين، فإن علينا أن نسمح بحرية الكلمة في الصحافة وان نثق بأنفسنا وان نغير عقيدتنا الحالية التي تقول إن الكذب على النفس أفضل من مصارحتها. ان قدرات الأمة كبيرة جدا، وإمكاناتها كثيرة، والمال متوافر لكثير من المجالات غير الاستراتيجية. إننا بحاجة إلى خلق صحافة حرة لكي نخلق سوقا رابحة لها. فالصحافة في البلاد المتطورة تعتمد على المبيعات والإعلانات، وهاتان الأخيرتان تعتمدان على سعة انتشار المطبوعة، وسعة الانتشار ليست قرارا رسميا وإنما تفاعل كامل بين المطبوعة التي تحمل الكلمة الصادقة وقرّائها

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 187 - الثلثاء 11 مارس 2003م الموافق 07 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً