سقط صدام غير مأسوف عليه، ووقعت العراق تحت الغزو والاحتلال، ولكن أساليب صدام الإذلالية لم تسقط في بلداننا، بما في ذلك بحريننا الحبيبة. فصدام اعتمد كثيرا في أسلوبه على اذلال المواطنين، وتطرف كثيرا في اذلالهم. غير أن هذه السياسة الاذلالية للمواطنين تراها في بلداننا العربية وفي البحرين وفي كل مكان.

وكنا نسمع قبل سنوات عبارات يرددها البعض في السجون أمام المعتقلين السياسيين «ما يفيد فيكم إلا واحد مثل صدام». لقد كانت أساليب صدام، ومازالت، هي المثل الأعلى لعدد لا بأس به من المتنفذين.

فعندما وصل صدام وحزبه إلى السلطة في العام 1968 شرع في إهانة الشعب العراقي بطرق دراماتيكية، إذ اختار من كل عشيرة ومن كل فئة شخصا مهما واتهمه بالعمالة لتركيا ثم أعدمه (وآنذاك كان المعارضون يتهمون بالعمالة لتركيا). بل انه تطاول حتى على الإمام محسن الحكيم وقطع عنه الكهرباء واتهم ابنه (السيد مهدي) بالعمالة لتركيا وطارده ليعدمه. ولكن الشهيد مهدي هرب من العراق والتجأ إلى البحرين ومنحه سمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة جوازا بحرينيا، استطاع به السفر إلى الإمارات ثم إلى باكستان هربا من ظلم صدام وعصابته.

وكانت خطة الفئة الحاكمة في العراق هي إهانة رموز وكبار المجتمع. وبالتالي فإن العراقيين انتهى بهم الأمر إلى الإذعان بعد أن شاهدوا أهم شخصيات مجتمعهم يطاردون ويلقى القبض عليهم ثم يعدمون. وقد أعدم صدام معظم الرموز التي استهدفها بما في ذلك السيد مهدي الحكيم الذي ظل مطاردا منذ هروبه من العراق في 1970 حتى اغتياله على أيدي أحد أفراد السفارة العراقية في الخرطوم في 1989. هذه السياسة العراقية تراها موجودة في البحرين، ولكن بدرجة أقل بشاعة غير أنها تحمل الأسلوب الإذلالي نفسه. هذا ما كان يعيشه المواطن ويشعر به طوال حكم أمن الدولة. وقد اعتقد الجميع أن هذه الأساليب انتهت مع التصديق على ميثاق العمل الوطني، إلا أنها لم تنتهِ فاستهداف وزارة الإعلام - بأسلوب استهجاني - لصحيفة «الوسط»، وجرجرة الصحيفة أكثر من مرة تحت طائلة قانون جائر يخالف الميثاق والدستور وجميع مواثيق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان انما هو أسلوب صدام حسين (ولو بدرجة أقل بشاعة). فروحية التعامل واحدة والهدف من هذا الأسلوب الانتقائي - الانتقامي مماثل لما كان يفعله صدام حسين بشعبه. فصدام كان يصادر رموز المجتمع لتخويف بقية أفراد المجتمع، وما استهداف الصحافة المستقلة التي نشأت بفضل حركة الإصلاح التي دشنها جلالة الملك إلا لإذلال الصحافيين واذلال الشعب الذي سيقول: «انظروا ماذا عملوا بفلان وبتلك المؤسسة، فما حالنا نحن؟».

صدام نجح في أساليبه الإذلالية ودمر العراق من داخلها قبل أن يدمرها الأميركان من خارجها. وكذلك بعض من يتبع أساليب صدام يحاول تدمير وشائج المجتمع التعاضدية، وبالتالي ينفرد بهذا الطرف في هذه الفترة، ثم ينفرد بعد ذلك بطرف آخر، وهكذا واحدا بعد آخر حتى يقضي على معاني العزة والكرامة لدى المواطنين.

غير أن نجاح صدام لا يعني أن من يحاول تقليده سينجح إلا إذا كان هذا الشخص مستعدا لأن يفعل ما فعله صدام حسين من تخصيص أماكن كثيرة للمشانق والإعدام. وبعد ذلك يحول بلده من أفضل بلد من ناحية الإمكانات الطبيعية والبشرية إلى أسوأ بلد ويمهد لأكبر اذلال عرفه تاريخ منطقتنا.

الأساليب الإذلالية لم تنجح في البحرين بفضل صمود أهلها أمام عنجهية البعض، ولن تنجح أبدا بعد أن نفضت الشعوب غبار الذل عنها، وبعد أن عرف الجميع مصير أساليب صدام حسين.

إن شعبنا استنشق الحرية، وأهم حرية حصل عليها هي حرية التعبير عن الرأي، وحرية التجمع السلمي، وحرية التنظيم. وأية محاولة للرجوع بعقارب الساعة إلى الوراء بأية وسيلة كانت، سواء كان ذلك من خلال استغلال المنصب أو من خلال ما كنا نواجهه ايام أمن الدولة، أو من خلال قانون صحافة جائر، فإنه سيؤول إلى الفشل الذريع بإذن الله تعالى. فشعبنا قدم الكثير من أجل الحصول على كرامة العيش الحر والبعيد عن الذل والاستهجان، ولا يمكن استغفاله بأساليب اللف والدوران التي لا تهتم إلا بالمصالح الشخصية.

لقد ساعدت أساليب البعض على بث التشاؤم خصوصا لدى تلك الفئات التي كانت تشكك في جدية الاصلاح. فهناك من يشعر بأن موقفه المقاطع للانتخابات هو الصحيح بدليل أن المسئول المتنفذ يلعب كما يشاء ويستغل منصبه ويسلط على من يشاء أساليب الإذلال القديمة.

غير أننا نعتقد بضرورة أن «نصدع» بكلمة الحق ونؤيد حركة الاصلاح والمشاركة الفعالة في تصحيح الأخطاء من دون أن نتنازل لأساليب الاذلال بأي شكل من الأشكال.

منصور الجمري