العدد 2238 - الثلثاء 21 أكتوبر 2008م الموافق 20 شوال 1429هـ

دعاة وفلاسفة التمييز

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يذهب بعض المؤرّخين إلى أنه لولا أفكار الفيلسوف الألماني العدمي فريدريك نيتشه في القرن التاسع عشر، لما ابتلي العالم في القرن العشرين بالنازية... الحركة التي قاد بها أدولف هتلر العالم نحو محرقة الحرب العالمية الثانية.

هذا الفيلسوف المتشائم، هاجم كل القيم دون استثناء، وأعلى في فلسفته من قيمة «القوة»، ومن هذه الأرضية الفكرية ولدت فكرة «السوبرمان»، التي تقمّصها هتلر فيما بعد. وقادت إلى الهولوكوست ومعاداة السامية وبقية الشعوب غير الآرية، بهدف إخضاعها لسلطة الرايخ الثالث العظيم.

الفكرة العنصرية القائمة على تقسيم الشعوب إلى عناصر ومراتب وأصناف، كان لها فلاسفة ودعاة ومفكّرون، وبعضهم وضع نظريات قائمة على علم التشريح لإثبات أن الجنس الألماني هو سيد الشعوب. واحتاج الشعب الألماني إلى أن يلقن هزيمة عسكرية قاسية و «إعادة تأهيل» حتى يتشافى من المرض النازي العضال.

حتى أصحاب سياسات الفصل العنصري (الابارتهايد) في العالمين القديم والجديد، كانوا يجدون لهم فلاسفة و «مفكّرين»، يوفّرون لخطاياهم غطاء شرعيا يواري السوأة ويغطّي الخلل ويحرّف الكلم عن مواضعه، بقصد التشويش والتضليل. وإلاّ... فما الداعي لـ «مآتمكم» و «مساجدنا»، و «طائفتكم» و «طائفتنا»، وعطلة يومي عاشوراء، وكأنها «منّة» وإحسانٌ، وليست أحد مظاهر التسامح الديني الموروث في هذه البلاد.

ليست إشكاليتنا في البحرين خلافاّ مذهبيا، ولا صراعا بين الطوائف، حتى نحسب النوى على بعضنا بعضا، وندخل في «مآتمكم» ومساجدنا، و «مكبرات صوتكم» و «مكبرات صوتنا»، وإنّما هي خلافٌ حول وجود منظومة متكاملة لا تتجزّأ للمواطنة. هو خلافٌ حول العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين أبناء الوطن، وليأخذ بعدها أصحاب الكفاءات فرصتهم لخدمة البلد في مختلف المناصب... فأين ذلك من اختلاق فزّورة «المحاصصة» وتعمد خلط الأوراق؟

إننا في أزمة، كلما ركبنا رأسنا واستمررنا في العناد ومناطحة الجدار، كلما زادت تعقيدا، وزاد الناس يأسا من إمكانية الإصلاح والتغيير الهادئ. مثل هذه المكابرة وتوفير التبريرات الفاسدة لسياسات التمييز، لن تنفع الدولة في تصحيح الأوضاع غير الطبيعية، بل ستسهم في عرقلة أية مساعٍ مخلصة للعلاج.

إن قضية التمييز ليست وليدة اليوم حتى نربطها بهذه الندوة أو تلك، فهي جرح نازف لدى قطاع كبير من المجتمع، كما هي لدى الجمعيات السياسية والحقوقية, ولعلكم تذكرون كيف تداعت الجمعيات قبل أشهر لمناقشة هذه القضية في مؤتمر سابق، ودخلت على الخط إحدى المشاركات لتحوله إلى قضية مذهبية فقط لإدانة «الوفاق».

دعوا الحديث في نطاق السياسة ولا تقحموه في المذهبيات. فنقل الجدل إلى مستوى مذهبي هو نوع من التضليل المكشوف، على طريقة «لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون». القضية لا تحتمل مثل هذه المماحكات والتلاعب بالألفاظ، فالتمييز خللٌ وظيفي بنيوي في هيكل أي نظام سياسي، وهو يحتاج إلى شجاعةٍ ومكاشفةٍ وعلاج، وليس إلى تقديم غطاء من التبريرات الفاسدة والعقرة وحفلات الزيران.

لقد بُحّت الأصوات، وجفت الأقلام، وطويت الصحف... وفلاسفة التمييز هؤلاء لا يريدون أن يفهموا أننا نتكلّم عن مبدأ عقلاني ودستوري وأخلاقي بسيط، أسهم في تقدّم الشعوب ونهضة الأمم: المساواة بين الناس وتكافؤ الفرص. قضيتنا سياسية وحقوقية، وليس موضوعنا دور العبادة والعطلات الدينية ونظام «المحاصصات».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2238 - الثلثاء 21 أكتوبر 2008م الموافق 20 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً