نتكلم عن الاستثمار وعن أهميته في رفع الناتج المحلي ودخل الفرد وكثير من المفردات الجملية، في وقت نسينا فيه مفردات الحياة الطبيعية وحق الأفراد في البيئة الذي تقره جميع الأنظمة والقوانين والأعرف الدولية.
ونرى أن هذا المفهوم موجود ويتم الالتزام به في الدول الأخرى، فنجد العمل على إنشاء السواحل وتعديل السيئ منها، وفتح الحدائق وغيرها من المرافق التي يحق للناس أن يتمتعوا بها بعيدا عن ضغوط الحياة اليومية والروتين الممل في العمل أو المنزل.
ففي قرية الديه مثلا، رفع الأهالي عريضة بشأن إزالة البستان الفاصل بين القرية ومنطقة السنابس، وبالفعل فقد كانت هذه المنطقة وقبل سنين قليلة من أجمل المناطق الشمالية قاطبة، ولا ننسى المنطقة الواقعة على شارع السيف التي تمتلئ بالبساتين الغناء... مع مرور الوقت وجدنا أن البساتين المقابلة لمركز البحرين الدولي للمعارض تتقلص وأنشئت عليها البنايات الشاهقة، والمشاريع العملاقة، ولم يعد لتلكم الأشجار أي أثر إلا ما يستذكره الأقدمون ومن شاهدوها!
لم تتوقف الحكاية عند هذا الحد، فاستمر تقلص المزارع وطال هذه المرة البستان الواقع بالقرب من الخط الفاصل مع قرية السنابس، والبستان الفاصل مع كرباباد، وكأن المزارع لم تكن إلا حلما مر مسرعا، وكأن الجهات المسئولة عن تغيير ظاهر الأرض تتسابق مع الزمن لتدمير أكبر قدر ممكن من المزارع، وأستغرب اليوم من أن نعلم أبناءنا الصغار مفاهيم مغلوطة منها أن البحرين بلد المليون نخلة! وأي مليون نخلة هذه التي نتكلم عنها.
وأذكر أن أحد الزملاء وقبل نحو ستة أعوام حين كنا في السنة الثانية في الجامعة، وكان على وشك التخرج، وعمل بحثا عن عدد النخيل في البحرين وتقصى الحقائق على أرض الواقع وتجشم عناء عد النخيل في جميع المناطق والبحث في كل السجلات، ولم يجد حتى نصف عدد المليون الذي تتحدث عنه الكتب الدراسية منذ سنوات طويلة ولايزال يحتفظ بالمتن والمضمون نفسهما!
وإذا أردنا أن نستدل أكثر، لنبتعد عن قرية الديه، ولنمر بقرية كرانة، ومنها إلى الدراز والبديع ومن ثم إلى الهملة ولنقطع مسافة طويلة لنصل إلى جزيرة النبيه صالح، ولنستعرض شريط الذكريات في هذه المناطق، وبالنسبة لي وغيري ممن لا يملكون إلا خبرة لم تتعدى 26 عما أظن أن لدينا سجلا حافلا بطبيعة المنطقة، فكيف بمن بلغ الستين والسبعين، الذين يروون لنا عما أسموه أنهارا تقطع أراضي قرية الديه والسنابس وكرانة والدراز وغيرها من أحاديث جميلة لا تصلح حتى لتدون في ذاكرة التاريخ، فلم يعد هناك ما يدلل على وجودها!
ما أعجبني هو تعليق أحد كبار السن على الموضوع حين سألناه عن واقع المناطق الزراعية، فأجاب بكل بساطة «إذا كانت المقابر لم تسلم وفيها قبور المسلمين وللمسلم وغير المسلم الميت حرمة كحرمة الحي، ولكن مقابرنا انتهكت وتحولت إلى أراضٍ خاصة ومشاريع استثمارية، فكيف بالمزارع التي لا يمتلك كثير من آبائنا أدلة على أنها كانت ملكهم في يوم من الأيام... خلها على الله».
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 2238 - الثلثاء 21 أكتوبر 2008م الموافق 20 شوال 1429هـ