بعد سقوط بغداد بدأت الأوساط المختلفة في مساعيها الحثيثة لإيجاد سبل إعادة الهدوء في العراق وإخراجه من حال الفوضى المتفشية في جميع ضواحي ومدن العراق من النهب والسرقة والسلب والتخريب. فمن جهة قدمت مجموعة أولى من عناصر الشرطة العراقية لقوات مشاة البحرية الأميركية عرضا يخدم عودة الأمن والنظام في أنحاء العراق، في وقت زحفت قوات «البشمركة» الكردية نحو مناطقها في الشمال بعد انسحابها من مدينتي كركوك والموصل.
ذكر راديو لندن ان القوات البريطانية قتلت خمسة من اللصوص حاولوا سرقة احد البنوك بمدينة البصرة، وقال ان القوات البريطانية كثفت دورياتها في شوارع البصرة في محاولة لوقف موجة أعمال النهب.
وقال مسئولون في الجيش البريطاني ان القوات البريطانية في البصرة تأمل في تنظيم دوريات أمنية مع ضباط الشرطة المحلية العراقية في غضون 48 ساعة للقضاء على الانفلات الأمني في المدينة.
وقال المتحدث الرئيسي باسم القوات البريطانية الكابتن آل لوكوود في مقر القيادة المركزية في قطر ان وسائل الإعلام بالغت في تصوير أعمال النهب، وان حال الانفلات الأمني ستخبو وأنها آخذة في التلاشي بالفعل في البصرة.
كما قال مسئول فيالق المهندسين في القيادة المركزية الأميركية، ان قوات التحالف تحكم الآن سيطرتها على جميع آبار النفط في جنوب العراق والبالغ مجموعها ألف بئر.
الناصرية
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية ان أميركا سترسل 26 شرطيا ومسئولا قضائيا إلى العراق كدفعة أولى لما قد يصل في نهاية الأمر إلى 1150 شخصا لمساعدة العراقيين على استعادة القانون والنظام.
كما يتعاون مشاة البحرية الأميركية مع السكان المحليين لاستعادة الخدمات العامة في مدينة الناصرية والتي تستضيف اجتماعا مهما في الأسبوع المقبل لبحث كيفية إدارة العراق في فترة ما بعد الحرب.
وقال قائد وحدة في المجموعة الرابعة للشئون المدنية المرتبطة بمشاة البحرية الأميركية في المنطقة اللفتنانت كولونيل اريك جرابوسكي «كان الأمر صعبا، استغرق الكثير من العمل ولكن كون السكان المحليين يشاركون بصورة كبيرة في هذا الأمر وتوليهم مسئولية كبيرة فيه أحدث فارقا بالفعل»، و«أتمنى أن نتمكن خلال 30 يوما من إعادة الكهرباء وسيكون هذا بالنسبة لي نجاحا كبيرا. وبحلول ذلك الوقت ستكون لدينا المياه وسيكون لدينا نظام صالح بصفة عامة للرعاية الصحية».
ودمر الكثير من المباني الحكومية المحلية أو وقعت بها تلفيات أثناء القتال كما نهب الكثير من المباني والإمدادات. لكن جرابوسكي قال ان بعض المنشآت بما في ذلك مصفاة النفط المحلية وإدارة الري ظلت محمية بواسطة «أفراد محليين مخلصين». وقال إن القوات الأميركية تسعى إلى إصلاح أحد مراكز الشرطة المحلية ومن المحتمل ان يبدأ ضباط عراقيون في بادئ الأمر بتأمين منشآت بعينها وحراسة مراكز القيادة مع مشاة البحرية الأميركية.
وتوزع القوات الأميركية مياه الشرب في نقطة مركزية بالقرب من نهر الفرات كما ان الشاحنات تحمل المياه إلى أحياء مختلفة في المدينة. وفي الطريق مزيد من الشاحنات من الأمم المتحدة.
استسلام عامر السعدي
أعلن التلفزيون الألماني «زد.دي.اف» ان المستشار الرئاسي العراقي اللواء عامر السعدي سلم نفسه طوعا في بغداد للقوات الأميركية وأكدت المحطة إنها صورت عملية التسليم. كما ذكر مراسل الوكالة الفرنسية ان القوات الأميركية عثرت على مخبأ يضم آلاف الأسلحة الخفيفة في مبنى وسط بغداد وبينها قطع مطلية بالذهب أو هدايا من الرئيس العراقي. وقال ضابط اميركي «انه بالتأكيد اكتشاف مهم»، «غير ان الاكتشاف الأهم هو الكمية المهمة من الأسلحة الخفيفة الهجومية وأسلحة القناصة المطلية بالذهب الممهورة بما يدل على أنها هدايا من صدام حسين».
كما قام جنود اميركيون تعززهم الدبابات بتأمين قطاع مهم في العاصمة العراقية واستولوا على آخر معقل معروف في وسط بغداد للمقاتلين الأجانب الموالين لصدام، واستولت القوات الأميركية على هذا المعقل في حي المنصور القريب من منطقة حدائق.
وبينما احتلت دبابات مواقع بالقرب من الحدائق أمكن مشاهدة أشخاص يقومون بأعمال نهب في مباني وزارتي الإعلام والخارجية ويغادرونها حاملين قطع أثاث وأجهزة كمبيوتر.
كما قالت شبكة «سي ان ان» الإخبارية الأميركية ان قوات المارينز أطلقت النار على سيارة عراقية كانت تقل إحدى العائلات على حاجز أمني في العاصمة العراقية بغداد مما أسفر عن مصرع ثلاثة مدنيين بينهم زوج وزوجة، مشيرة إلى أن طفلة عراقية أصيبت بجروح في الحادث بينما لقي والداها مصرعهما.
كما أرسلت واشنطن ولندن إلى العراق فريقا سريا من المفتشين الأميركيين والبريطانيين للبحث عن أسلحة دمار شامل، وإنه من دون إبلاغ الأمم المتحدة، أرسل هذا الفريق الذي وصل إلى الكويت قبل اندلاع الحرب على العراق في العشرين من مارس/ آذار الماضي بأسبوع.
في وقت فرضت قوات مشاة البحرية الأميركية «المارينز» حظر تجوال يستمر من الغروب إلى الشروق سيتم تطبيقه على الأقل في المناطق الشرقية من العاصمة العراقية. كما قال مسئولون عسكريون أميركيون ان الأنظار تتوجه نحو مدينة «تكريت» مسقط رأس صدام. ويستمر قصف تكريت جوا بهدف كسر الدفاعات العراقية، موضحا ان القادة العسكريين الأميركيين يتوقعون مقاومة شرسة في تكريت فيما يتوقعون انتهاء المقاومة العراقية في بلدة «القائم» على الحدود العراقية السورية وسط أنباء عن احتمال استسلام عدد من القيادات العراقية هناك إذ المح مسئولون أميركيون ان مفاوضات قد تكون قد بدأت بالفعل.
من جهة أخرى وصلت مجموعة أولى من عناصر الشرطة العراقية يقودها عقيد إلى فندق فلسطين ببغداد إذ يسكن الضباط الأميركيون لعرض خدماتهم في المدينة التي سادتها الفوضى. وكان العقيد احمد عبد الرزاق سعيد مرتديا زيه وبرفقته ستة من عناصر الشرطة باللباس المدني. وتم تفتيشه من قبل عناصر المارينز عند باب الفندق، وأوضح للصحافيين إثر ذلك انه قدم لعرض خدماته وزملائه من أجل ضبط النظام في بغداد التي أصبحت مرتعا لعمليات سرقة ونهب واسعة.
الموصل وكركوك
أعلن منسق الأمم المتحدة المكلف الشئون الإنسانية في العراق في عمّان ان فريقا دوليا أول تابعا للأمم المتحدة سيعود إلى شمال العراق. وقال المنسق راميرو لوبيس دا سيلفا ان «موظفين دوليين سيعودون الاثنين إلى دهوك واربيل والسليمانية»، وإننا نعتزم إرسال 13 موظفا دوليا إلى كل محافظة على ان نزيد تدريجيا فيما بعد وجودنا في الجنوب.
من جهة أخرى، أعلن القائد العسكري في الاتحاد الوطني الكردستاني الجنرال رستم ان الوضع في كركوك قد هدأ بعد يوم من الفوضى مؤكدا ان المقاتلين الأكراد بدأوا بالانسحاب من المدينة.
وقال رستم «ان الوضع بات تحت السيطرة، مؤكدا على ان القوات الأميركية باتت في الوقت الحاضر (أكثر من كافية) في المدينة للسهر على الأمن فيها».
وفي أنقرة أكد وزير الخارجية التركي عبدالله غول ان المقاتلين الأكراد بدأوا بالانسحاب من المدينة في اليوم نفسه. وقبل ذلك صرح الجنرال رستم ان المقاتلين الأكراد تلقوا الأمر بمغادرة كركوك وقال «ننتظر القوات الأميركية وعلى «البشمركة» ان يغادروا المدينة. من جهة أخرى، تظاهر نحو مئة من الأطفال والفتيان في شوارع مدينة كركوك للإعراب عن غضبهم من عمليات النهب، وتوعدوا بأنهم سيقومون بضمان الأمن باستخدام العصي وقضبان الحديد».
وصب المتظاهرون نار غضبهم على التركمان. ومن جانبهم، يشتكي التركمان بأنهم الضحايا المستهدفون بشكل خاص في عمليات النهب هذه.
وقال غول ان تركيا لا ترى حاجة فورية لإرسال قوات إلى شمال العراق ما يخفف التوتر بين تركيا والأكراد العراقيين بشأن مستقبل مدينتي كركوك والموصل العراقيتين. وقال مراسلو رويترز ان القوات الأميركية بدأت دخول الموصل على رغم ان الأكراد مازالوا موجودين بشكل ملحوظ في المدينتين.
وقال شهود على الحدود التركية مع العراق ان القوات المسلحة التركية الكبيرة الموجودة هناك رفعت فيما يبدو مستوى استعداداتها ولكنها لم تتحرك من مكانها على الجانب التركي من الحدود.
ودخلت وحدات عسكرية أميركية إضافية إلى مدينتي كركوك والموصل العراقيتين الشماليتين، وقالت شبكة «سي ان ان» ان هذا التطور يأتي بعد ساعات من استسلام القوات العراقية في مدينة الموصل وكذلك التي كانت متمركزة في شمالي العراق بشكل عام.
معارك في مدينة القائم
قالت شبكة «سي إن إن» ان مدينة القائم العراقية التي تقع على مقربة من الحدود مع سورية تشهد في الوقت الجاري معارك بين القوات الأميركية المهاجمة والقوات العراقية المدافعة عن المدينة.
الوسط - هنادي منصور
أصبحت حضارة بلاد الرافدين تحت أقدام حفاة الغزو الانجلو - أميركي عندما بدأوا هجومهم الأرعن في بغداد تحت راية التحرير وإرساء مبادئ الديمقراطية والحرية المزمع تركيبها في قلب حضارة بابل والآشوريين. أخذت حال الفوضى والفساد تتفشى في جميع مدن العراق.
أصبحت مقتنيات وكنوز عراق الإرث والتراث التاريخي مهددة بالطمر والاندثار على يد أشخاص لا تعرف معنى المجد والفخر بتاريخ الآباء والأجداد. فقصف «الغزاة» مسجد الإمام أبي حنيفة النعمان، كما طالت همجية النهب تحف وكنوز المتحف. وقال عاملون في المتحف الوطني العراقي ان أشخاصا سلبوا آثارا من المتحف ونهبوا كنوزا يرجع عهدها إلى آلاف السنين من حضارة بلاد ما بين النهرين، وألقوا باللوم على القوات الأميركية لعدم حماية هذه الكنوز.
وقالت نائبة مدير المتحف نبيهة الأمين: «لقد نهبوا ودمروا 170 ألف قطعة من معروضات الآثار التي تعود إلى آلاف السنين، إنها تقدر بمليارات الدولارات».
وخوفا من ضياع تراث الأجداد سارعت خطى أهلية في الحفاظ على هذه النفائس التي تحاول أيدي الغزو - التي انتهكت حرمة التاريخ - تدميرها لتعبث في إرث الأجيال
العدد 219 - السبت 12 أبريل 2003م الموافق 09 صفر 1424هـ