عاتبتنا إحدى الأخوات لعدم وضع كلمة «لو» في عنوان مقالنا السابق «كل من يه ونير... وما ظل في الوادي شيَر» نسبة إلى المثل الذي أخذ منه، فأجبناها بأنَّ ما قمنا به لم يسقط سهوا وإنما عن عمد وقصد، وذلك لكثرة وتعدد من يتدخل في تقديم المشورة المهنية بطريقة غوغائية، وإننا اليوم نقول «لو» بسبب وصول المعلومة لجمهور الناس بالفرق بين العالم «مقدِّم المشورة» والجاهل الذي يسترزق ويتطفل على هموم الناس ومشكلاتهم.
إذ إننا تناولنا الإعلانات المغرية في بعض الصحف المجانية، ولاحظنا استشراء هذا الاغراء لدى بعض مكاتب الاستشارات والتدريب، مستخدمين اسم كلمة الاستشارات ليمارسونها على جمهور العامة من الناس.
وكما وضحنا في المقال الآنف ماهيّة تقديم المشورة، ومن يمارسها وما مبادؤها وفنونها التي تتخلل تقديم المشورة المهنية، فمهنة تقديم المشورة الأسرية والاجتماعية على حدٍ سواء تحتاج منا إلى بعض المعلومات والتكنيكات التي قد يجهلها المواطن، وبالتالي يقع فريسة سهلة لأمراض اجتماعية أخرى مثل جرّه إلى بيوت مشبوهة لقصد المشورة وينتهي به المطاف إلى صيده في شرك دعارة أو أعمال سحر وخزعبلات، أو استنزاف ماله وارهاقه بالديون التي لا تعد ولا تحصى، تحت مسمى «الاستشارة بخمسة دنانير فقط».
ولأننا في مجتمع متحضّر يناشد مواكبة العصر، فإننا سنلقي الضوء اليوم على عيادات تقديم المشورة، متمنين من خلالها تعديل بعض القوانين الجامدة بوزارة الإسكان، لإتاحة الفرصة للخبراء والعاملين في هذا المجال، بأن يفتحوا عيادات تسمى «بالعيادات المساندة».
فتقديم المشورة الخاطئ يتم غالبا عن طريق الهاتف، ولا يعرف صاحبه الجاهل بأن تقديم المشورة يحتاج إلى عنصر الملاحظة ورؤية المستفيد، كما يسمى مهنيا، التي من خلالها ستتم دراسة نفسيته وأوجه الاضطرابات السلوكية لديه، ومن جانب آخر تعزز عنصر المهنية والحرفنة والتوثيق، حتى يُحفظ حق المستفيد وحق مقدّم المشورة، ولا ينتهي المطاف بمشكلات جسيمة تكون حصيلتها خطيرة على المجتمع البحريني.
ومن هنا يبدأ السؤال ما المقصود بتقديم المشورة؟ وما الأهداف المرجوة من تقديم المشورة؟ وما هي أهم المراحل الرئيسية في تقديم المشورة؟ وما هي الديناميات النفسية عند تقديم المشورة؟ وعن مدى أهمية العيادات المتخصصة في تقديم المشورة وأثرها الطيب على أبنائنا خاصة مع انتشار الأمراض الاجتماعية وافرازاتها والأمراض النفسيه بتفرعاتها، والأمراض الأسرية بشتى مداخلها... الخ.
- تقديم المشورة: من أكثر أساليب التثقيف الصحي استخداما لمساعدة الأفراد والأسر، والغرض منه تشجيع المستفيد على التفكير في مشكلته وإكسابه الثقة في قدرته على إيجاد حلول للمشكلة القائمة، وبذلك يصل المستفيد إلى فهمٍ أفضلٍ لأسبابها ونتيجة لهذا الفهم يأخذ عهدا على نفسه، كما هو مأمول، باتخاذ الإجراءات اللازمة لحل المشكل.
- أهداف تقديم المشورة:
• أن يكون تقديم المشورة بالاختيار لا الإكراه ولا إسداء النصح والوعظ ويكون المستفيد هو صاحب القرار.
• إن استخدام أسلوب إسداء النصح، والوعظ أو الإكراه يؤدي إلى نتائج عكسية، لذلك يقوم تقديم المشورة على أساليب علمية ومقاييس تخدم المستفيد في جميع الأوجه.
• منهج علمي يقوم على مساعدة المستفيد بطريقة صحيحة ووقائية، وتجعله عنصرا فعالا في المجتمع.
- المراحل الرئيسية في تقديم المشورة:
• مساعدة المستفيد على تحديد المشكلة.
• مساعدة المستفيد على أن يعرف لماذا هي مشكلة؟.
• تشجيع المستفيد على التفكير في عدة حلول ممكنة للمشكلة.
• جعل المستفيد يختار أنسب الحلول بنفسه وعن قناعة.
• مساعدة المستفيد وتقديم المساندة إليه في تطبيق الحل الذي اختاره بنفسه.
- الديناميات النفسية لتقديم المشورة:
• إن احترام المستفيد يقتضي اقتناع وإيمان مقدم المشورة بقدرته على مد يد العون للمستفيد كي يساعد نفسه
• يجب أن تتوفر لدى مقدم المشورة المهارات اللازمة ليثبت احترامه للمستفيد ورغبته بالإصغاء إليه.
• يجب على مقدم المشورة أن يكون قادرا على مساعدة المستفيد، كي يصبح على قناعة بأن بوسعه السيطرة على مجرى حياته وتعديل سلوكه واتخاذ القرارات وتقدير نتائجها.
• يجب أن يكون مقدم المشورة قادرا على أن يجعل المستفيد يتحدث عن نفسه بحرية.
• يجب أن يكون مقدم المشورة قادرا على مساعدة المستفيد على سبر المشاعر من خلف الحقائق.
• يجب أن يدرك مقدم المشورة أن المشاعر لا إرادية، وأنّ الفرد لا يستطيع أن يختار مشاعره، وبالتالي فإن ذلك الفرد يجب أن لا يشعر بالمسئولية أو الذنب إزاء المشاعر التي يعبر عنها.
• ويجب أيضا على مقدم المشورة أن يدرك أن السلوك اختياري، وأن الفرد عادة ما يكون قادرا على اختيار كيف يتصرف وبالتالي فهو مسئول عن أفعاله، وبوسع مقدم المشورة أن يبدأ بالحكم على سلوكه وأن يعد نفسه لقبول حكم الآخرين على سلوكه.
• ومع ذلك فإذا قام الفرد بعمل ما يعتبره خطأ فهذا لا يعني بالضرورة أنه شخص سيئ.
• من الأهمية لمقدم المشورة أن يقبل المستفيد كفرد بحد ذاته ولو كان سلوكه غير مناسب لدى الآخرين.
• يكتسب المستفيد مزيدا من الثقة إذا أصبح قادرا بنفسه على اتخاذ قرارات مستنيرة.
• بوسع مقدم المشورة أن يساعد المستفيد على الشعور بأنه قادر على التحكم في مجرى حياته والإحساس بالنجاح والثقة، وعادة ما يتحقق ذلك لدى المستفيد الذي يحدث تغييرات تدريجية في أسلوب حياته أو سلوكه.
• إن ممارسة رقابة ذاتية على السلوك، وفهم الذات والقدرة على التخطيط للأمد البعيد هي من خصائص النضج والمضي في هذا المضمار من أحد أهداف تقديم المشورة.
وبعد هذا كلّه نعتقد بأن الإسراع في فتح المجال لمقدّمي المشورة بأن يساندوا الناس، لهو أعظم عمل تستطيع الحكومة أن تقوم به، في ظِل الاحتياجات وزيادة فوّهة المشكلات الاجتماعية، التي تحتاج إلى من لديهم القدرة على المساعدة المهنية.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2238 - الثلثاء 21 أكتوبر 2008م الموافق 20 شوال 1429هـ