تتطلب عملية إصدار الأسهم في أي سوق للأوراق المالية وجود مجموعة من المعايير والضوابط لكي تتحلى هذه العملية بالشفافية وتحقق العدالة لجميع أطرافها. ولكن ليس من الواضح أن جميع الإصدارات في سوق البحرين للأوراق المالية تتسم بتلك الشفافية أو تحقق العدالة لجميع المساهمين. والمثل الذي أتناوله في هذا المقال صارخ بالكثير من المسائل الخطيرة التي ينبغي الإشارة إليها للتدليل عن الحاجة لمثل هذه الضوابط. ولا يعفي سوق البحرين للأوراق المالية من القيام بمسئوليتها تجاه المستثمرين الغياب الشبه التام للإصدارات الأولية (أي الأسهم التي تطرح في السوق للتداول لأول مرة) والثانوية (أي الزيادة في عدد الأسهم المطروحة للتداول) في سوق الأسهم المحلية في الأعوام القليلة الماضية.
في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي أصدر بنك انفستكورب دعوة لمساهميه لشراء أسهم زيادة رأس المال في عرض الحقوق (pre-emptive rights issue) إذ اعتزم المصرف إصدار 400 مليون سهم عادي جديد الأمر الذي سيؤدي إلى مضاعفة رأس المال العادي، وتم تحديد سعر البيع بـ 1,75 دولار للسهم الواحد. وأعلن المصرف بأنه في حال عدم شراء المساهمين للأسهم فان هناك مجموعة من المستثمرين الاستراتيجيين الذين تعهدوا بتغطية الإصدار. ومن الملاحظ بأن مذكرة المعلومات الخاصة بالإصدار الصادرة في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني افتقدت للتفاصيل أو الدقة في الأمور الآتية:
المذكرة الخاصة بالإصدار مقتضبة وشحيحة المعلومات
المذكرة جاءت مختصرة جدا من أربع صفحات على رغم ضخامة الإصدار المقدر بـ 700 مليون دولار بالسعر الرسمي للإصدار. كما نشرت المعلومات المالية مختصرة جدا وفي أقل من ثلاثة أرباع الصفحة ولم تحتوِ المذكرة على معلومات مالية كافية كما خلا موجز المعلومات المالية من الزيادة في الخسائر الدفترية المؤقتة الناجمة عن إعادة تقييم الاستثمارات المتوسطة والطويلة التي بلغت في النصف الأول حوالي 44,6 مليون دولار وهي معلومة مهمة للمستثمر.
إعلان أرقام الأرباح مضلل
الربح المعلن في المذكرة في نهاية الربع الثالث هو الربح الذي تحقق من احتساب الـ12 شهرا الماضية (أي إضافة الربع الأخير من العام 2001 إلى الثلاثة أرباع الأولى لسنة 2002) وهو ما يسمى بنظام «آخر 12 شهر» وهو نظام مقبول محاسبيا للفترات السابقة لنهاية العام المالي وخصوصا لدى الشركات التي تتعرض أرباحها لاختلافات موسمية بسبب طبيعة عملها (انفستكورب هي واحدة من هذه الشركات) شرط أن يصاحبه بيان الأرباح والخسائر للتسعة أشهر الأولى من العام. وقد أدى اتباع هذه الطريقة إلى إعلان أرباح بلغت حوالي 64 مليونا مقابل 50 مليون دولار أرباح 2001 في حين أن الأرقام غير المدققة التي أعلنها المصرف في الشهر الماضي عن نتائجه للعام 2002 تظهر خسارة بـ 8,4 مليون دولار إضافة إلى ازدياد «الخسائر» الدفترية المؤقتة الناجمة عن إعادة تقييم الاستثمارات بمقدار 68 مليون دولار فيصبح مجموع خسائر 2002 المتحققة والمؤقتة أكثر من 76 مليون دولار(ملاحظة: ورد خطأ في الحلقة الأولى المنشورة بـ «الوسط» في شهر مارس/آذار الماضي بأن الخسائر المؤقتة للنصف الأول من العام الماضي كانت 157 مليونا إذ جمعت الخسارة الدفترية المؤقتة للعام 2001 مع خسائر النصف الأول من 2002). وكان من المفترض الإشارة إلى نتائج التسعة أشهر بدل الاكتفاء بآخر 12 شهرا منعا لتكوين اعتقاد لدى المستثمر بأن 2002 هو أفضل من 2001 كما توحي به مذكرة المعلومات.
هل هذا عرض حقوق للمساهمين، أم للغير؟
عرض الحقوق هو في العادة عرض للمساهمين يعطيهم الحق في شراء الأسهم بسعر معين فإذا تخلفوا عن الشراء حُول الحق بالسعر نفسه لمستثمرين آخرين. وعرض الحقوق الذي طرحه انفستكورب يفتقد شرطين أساسيين، الأول هو أولوية الشراء للمساهمين إذ عرض المصرف على مساهميه شراء سهم واحد فقط لكل سهم يمتلكونه ولم يسمح لهم بشراء أكثر من ذلك على رغم أن غير المساهمين، أي ضامني الإصدار، لهم الحق في شراء ما يشاءون من الأسهم. والشرط الآخر الذي افتقده هو شرط تساوي السعر، فليس من المعقول بيع الأسهم للآخرين بسعر أقل من سعر بيعه للمساهمين أنفسهم وتسمية هذا البيع بأنه عرض حقوق (حقوق من؟). والتبريرات التي طرحها المصرف للمعاملة التفضيلية لضامني الإصدار على حساب مساهميه ليست مقنعة، وهي - باختصار - تقول للمساهمين بصورة غير مباشرة إن المساهمين الكبار الجدد أهم منكم.
من هم ضامنو الإصدار وبأي سعر؟
تحدثت المذكرة عن وجود ضامني الإصدار الاستراتيجيين الذين تعهدوا بشراء جميع الأسهم التي لا يقوم بشرائها المساهمون، ولكنها لم تفصح عن أسمائهم ولا عن الأسعار التي تعهدوا بشراء الأسهم بها. وقد أشارت المذكرة إلى أن ضامني الإصدار سيحصلون على خصم كبير ولكنها لم تحدده بل تركت الموضوع للجنة التخصيص التي شكلها مجلس الإدارة لاقتراح السعر على الجمعية العمومية التي ستعقد في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2002 وهو موعد يتخطى الموعد المحدد للمساهمين المسجلين آنذاك للاكتتاب (أي أن المطلوب من المساهمين اتخاذ قرار بالشراء من دون أن يحصلوا على معلومة مهمة للغاية وهي سعر الشراء المعروض على الآخرين). وبررت الخصم الكبير لضامني الإصدار بقبولهم بفترة زمنية يحجر عليهم بيع الأسهم (لم تحدد الفترة) واشتراطات أخرى لم تحددها المذكرة. ومن الصعب تصور ضمان لإصدار في غياب اتفاق على السعر إذ أن الضمان لا معنى له من دون تحديد السعر المضمون. فإذا كان السعر معلوما لدى المصرف، أو على الأقل ما يطلق عليه «السعر المتوقع» فلماذا لم يتم إبلاغ المساهمين به؟ وإذا لم يكن معلوما فلماذا استعجلت الإدارة الدعوة للاكتتاب في الإصدار قبل اكتمال جميع المعلومات الضرورية؟ والحقيقة التي ظهرت مع إعلان المصرف في مارس من هذا العام لنتائجه كما في 31 ديسمبر 2002 هي ان معدل سعر الأسهم المباعة هو 1,12 دولار أي بخصم يعادل 36 في المئة عن سعر الإصدار الرسمي، ويبدو أن بعض المكتتبين حصلوا على سعر أقل من ذلك.
تخفيف القيمة بسبب إصدار الأسهم الجديدة بسعر مخفض
المشكلة هي أن المستثمر الذي طلب منه المساهمة (إن أراد) في الإصدار الجديد للأسهم لا يعلم الخصم الذي سيحصل عليه الآخرون حتى يقوم باتخاذ القرار المناسب في عملية الاكتتاب، وهذا شبيه بدخول المشتري للسوق وشراء بضاعة ما من أول بائع من دون معرفة سعرها لدى الباعة الآخرين أو لدى البائع نفسه عندما يتعامل مع مستهلكين غيره. كما أن إعطاء خصم كبير للآخرين عن الأسهم الجديدة يعني فقدان الأسهم القديمة لجزء من قيمتها السوقية فيما يسمى بعملية تخفيف القيمة (dilution) الناتجة عن جمع قيمة السهم القديم الأغلى ثمنا مع السهم الجديد الأقل سعرا واستخراج المتوسط السعري للاثنين. وبرأيي الشخصي فإن من حق المساهم الحصول على السعر نفسه المعروض على الآخرين إذا قبل بالشروط المقيدة نفسها حتى يتسنى له تجنب عملية تخفيف القيمة.
إدارة لا تعلن عن نيتها في الاكتتاب بسعر مخفض، ثم تقترض من المصرف؟
لم تشر المذكرة إلى عزم الإدارة التنفيذية وموظفي المصرف في الاكتتاب بالإصدار ولا على حصولهم على خصم كبير، ولكن ذلك هو ما حصل فعلا. ولا يستطيع هؤلاء ضمان الإصدار كما هو واضح من موازنة المصرف في 31 ديسمبر 2002 إذ تبين بأن موظفي المصرف اقترضوا منه مبلغ 153 مليون دولار لشراء الأسهم. وليس معروفا ما هي ضمانات هذا القرض، وهل هناك ضمانات شخصية من الموظفين أنفسهم، وما هي فترة السداد والفائدة المترتبة على القرض. وهناك أسئلة مشروعة موجهة إلى مؤسسة نقد البحرين وسوق البحرين للأوراق المالية ووزارة التجارة عن أسباب سماحهم لانفستكورب بإقراض هذا المبلغ الضخم لموظفيه لشراء أسهمه فيما يبدو بأنه مخالف للأعراف المصرفية المحافظة. كما أن بيع الأسهم للموظفين بسعر مخفض، يعتقد بأنه في حدود 1,25 دولار للسهم أي بخصم يعادل 29 في المئة على السعر المعروض على بقية المساهمين، يعتبر شيئا مستهجنا ولا ينم عن مراعاة الإدارة لمصالح المساهمين الذين سيتضررون من جراء تخفيف القيمة.
هناك 54 مليون أخرى قروض لمالكي الغالبية
لم يكتف المصرف بإقراض موظفيه لتمويل الإصدار الجديد بل قام كذلك بتمويل الشركتين اللتين تملكان غالبية الأسهم كما جاء في بيان النتائج المالية لـ 31 ديسمبر 2002، ومرة أخرى لم تذكر تفاصيل السداد والفائدة المصرفية والضمانات المتوافرة للقرض. هذا القرض مناقض للأعراف التي تسير عليها مؤسسة نقد البحرين إذ لا تسمح عادة بإقراض كبار المساهمين وخصوصا بغياب الضمانات. وهو كذلك مناقض لما هو متعارف عليه بأن الشركات لا تقدم على إصدارات ثم تقوم بتمويلها بنفسها. ولو جمعنا المبالغ التي مولها انفستكورب بنفسه في هذا الإصدار لوجدناها تصل إلى 206 ملايين دولار من مجموع حصيلة الإصدار البالغة 447 مليون دولار، أي ما يعادل 46 في المئة من قيمة الإصدار، فهل يصح بعد ذلك ادعاء المصرف بأنه قام بعملية إصدار ناجحة كما جاء في بيانه الصحافي المؤرخ في 7 يناير/ كانون الثاني 2003 والذي لم يشر بتاتا إلى تمويل المصرف لـ 46 في المئة من قيمة الإصدار.
لا مبرر لضعف الدور الرقابي لمؤسسة النقد والبورصة
الشفافية مع المساهمين والسوق تعزز الصدقية ولا أرى سببا مقنعا في عدم قيام انفستكورب بضرب المثل للآخرين في مقدار الشفافية التي يجب أن يتحلى بها مصرف ريادي في مجاله يتمتع بهذا القدر من الاحترام، ليس في البحرين والخليج فحسب ولكن على صعيد العالم. كما أن غياب دور فعال لمؤسسة النقد والبورصة في الرقابة على مثل هذه الإصدارات وافتقادهم للحرفية المطلوبة في أسواق رأس المال شيء مثير للاستغراب في بلد يرغب أن يستمر في ريادته كمركز إقليمي لأسواق المال
العدد 219 - السبت 12 أبريل 2003م الموافق 09 صفر 1424هـ
مساعده
انا شخص مكتتب في انفستكورب من تاسيس الشركه كيف ابيع الاسهم ممكن مساعدتي
طالبة جزائرية
من يمكنه المساعدة حول موضوع تداول الاسهم في شركة المساهمة
اليائسة
بليز انقدوني اريد معلومات عن اصدار الاسهم في شركة المساهمة و شكرا