تستعد ما يسمى بأحزاب وقوى المعارضة العراقية للاجتماع في الناصرية الثلثاء المقبل بغطاء اميركي في وقت تكون فيه واشنطن ضربت ضربتها الاخيرة على تكريت وجوارها لتعلن فوزها على بلد محطم ومحاصر منذ 12 سنة.
اخطر من الاستعدادات الاميركية لتوجيه الضربة الاخيرة تلك التهديدات والتحذيرات والتلميحات التي تصدر من هذه الوزارة أو تلك وصولا إلى الرئيس جورج بوش معبرة عن انزعاج ادارة البيت البيت الابيض من سورية ودورها في الحرب العدوانية على العراق. الخطورة في الموضوع ليس الافصاح عن المشروع الاميركي واهداف الاستراتيجية الهجومية المقبلة في الخليج ومنطقة «الشرق الاوسط» بل عدم وجود غطاء دولي مضاد يحد من طموحات وشراسة وسفالة تلك الحفنة من الاشرار التي تحكم البنتاغون. فالمشكلة لم تعد تتعلق بالضعف العربي وعدم قدرة مجموع الدول العربية على انتاج سياسة موحدة بل انها ذات صلة بالضعف الدولي العام وفشل الدول الكبرى امثال الصين وروسيا وفرنسا والمانيا في الاتفاق على حد ادنى من التماسك الدولي لمواجهة هذا الهجوم الاميركي الفالت من عقله وعقاله. فواشنطن التي ادارت ظهرها للأمم المتحدة باتت الآن في وضعية تسمح لها بإدارة ظهرها للدول الكبرى غير مكترثة بالقوانين والاعراف والمصالح.
ما يحصل الآن على المسرح الدولي انطلاقا من محطة العراق وما بعدها لا يهدد الدول العربية والاسلامية بالانكسار بل بات يهدد المنظومة الدولية بالتبعثر والانهيار امام ضربات القوة الاميركية الفاجرة والمنحطة اخلاقيا وسياسيا. لذلك فإن مهمة مواجهة هذه الاستراتيجية في حدودها المنظورة لم تعد مهمة عربية مشتركة بل مهمة دولية مشتركة تكون دول المواجهة العربية والاسلامية احد فروعها وقواها.
إيران لا تستطيع وحدها مواجهة الغزو الاميركي، كذلك سورية، وايضا تركيا. فالمشكلة لم تعد محصورة بهذا الطلب او ذاك، أو بهذه المسألة أو تلك. المشكلة باتت اكبر من تصورها بوجود حفنة من الاشرار وضعت يدها على اكبر ترسانة عسكرية في التاريخ تريد استخدامها لتغيير العالم وفق نموذجها وليتناسب مع حجم مصالح المافيات الحاكمة في البيت الابيض.
حتى دولة مثل بريطانيا باتت تدرك في عمقها مدى المخاطر التي يشكلها هذا التيار الايديولوجي على مجموع الدول العربية والاوروبية والآسيوية. فقبل ان تجف دماء العراق اخذت تلك الحفنة الشريرة تطلق التهديدات والانذارات على دول عربية واسلامية اخرى، الامر الذي احرج وزير خارجية الولايات المتحدة كولن باول وأربك السياسة البريطانية ورئيس حكومتها ووزير خارجيتها.
حتى دولة مثل بريطانيا باتت في وضع الشريك الضعيف وغير قادر على ممارسة تأثيره المحدود لضبط جموح واشنطن وطموحاتها في السيطرة العسكرية والاستبداد بالعلاقات الدولية.
بريطانيا نفسها لم تعد قادرة على فهم تلك اللغة الاميركية الجديدة، وباتت في موقع عاجز عن كبح نمو نزعة التسلح والميل الاميركي الدائم نحو عسكرة السياسة وتحويلها من وسيلة إلى حل دائم، ومن كونها آخر الادوات إلى كونها الاداة الوحيدة للتفاهم مع الشعوب والدول. فالخطر الاميركي لا يقتصر في تهديداته على زعزعة النظام الاقليمي العربي بل بات يهدد نظام العلاقات الدولي. فحين تتجاوز اميركا الامم المتحدة ولا تعطي اهتمامها لدول مثل الصين وروسيا وفرنسا والمانيا وايضا بريطانيا فمعنى ذلك ان القضية لم تعد قضية عربية او اسلامية بل قضية عالمية تمس الأمن الدولي مجتمعا.
دول العالم كلها باتت الآن مكشوفة امام صواريخ الولايات المتحدة البعيدة المدى والعابرة للقارات. كذلك باتت دول العالم كلها اليوم وغدا تحت رحمة قوة اميركا العسكرية التي تعززت الآن بالنجاحات في افغانستان والعراق، وتريد استكمال تلك النجاحات بالمزيد منها متذرعة بنظرية تقول بالضربة الاستباقية.
نحن الآن امام خطر عالمي جديد وخطورته انه لا يجد امامه قوة مخيفة تحدّ طموحه وتُحدِث في وجه هجومه بعض العقبات والعراقيل كما كانت تسمى ايام «الحرب الباردة» بسياسة توازن الرعب. فالرعب الآن من جانب واحد في حين ان التوازن اختل بشكل فظيع إلى درجة أن الدول الثلاث التي اجتمعت في بطرسبرغ لم تستطع ان تثير اسئلة امام الولايات المتحدة سوى تجديد طلب العودة إلى الأمم المتحدة لتشريع العدوان وتدويله.
تستعد واشنطن عسكريا لضربتها الاخيرة في العراق في وقت تجتمع المعارضة الغبية في الناصرية للبحث عن صيغة ترضي اميركا لحكم البلاد الرافدين ظنا منها ان ما فعلته هو عين الصواب وحقق النجاح الذي كانت تريده.
المشكلة في المعارضة (أو المعارضات العراقية) عدم ادراكها انها لعبت لعبة كبيرة واكبر من حجمها ودورها. وهي لا تدرك انه لهذا السبب ولمجموع الاسباب القريبة والبعيدة ان دورها انتهى، وان وظيفتها هي مجرد حراسة مقابر العراق والبكاء على الاطلال
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 219 - السبت 12 أبريل 2003م الموافق 09 صفر 1424هـ