العدد 217 - الخميس 10 أبريل 2003م الموافق 07 صفر 1424هـ

نظام عالمي جديد أم نظام الذئاب الكاسرة؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

أدولف هتلر، الزعيم النازي الألماني، كان شديد القسوة، يحلم بسيطرة ألمانيا على العالم. أرسل جنوده إلى أوروبا الشرقية وشمال إفريقيا. طموحاته العسكرية لم تكن لها حدود. حين قرر غزو روسيا متجاهلا تحذيرات جنرالاته، وضع بنفسه نهاية لمئات الآلاف من جنوده ودفع بهم إلى ساحة الموت. ظل اسم هتلر حتى اليوم خالدا وسيبقى لأنه حاول تحقيق حلم فاشل، انتهى بدمار ألمانيا ومقتل ملايين البشر لأنه تجاوز حدوده.

الأميركيون أيضا تجاوزوا حدودهم. فقد أبلغ دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي المواطنين الأميركيين أن الحرب تجري دفاعا عن أمنهم وبهذا أصبحت أسباب الحرب متعددة لكن بينها أهداف استعمارية إذا لاحظنا مدى اهتمام الأميركيين والبريطانيين بحقول النفط العراقية. إذ وضع مخططو الحرب خطة للسيطرة على حقول النفط وتفادي لجوء العراقيين إلى تدميرها.

يقول البعض إن الولايات المتحدة ستكسب الحرب لكنها ستخسر الكثير ونظرة واحدة على التقارير وتعليقات صحف العالم التي تزداد غضبا على القوة العظمى مع كل يوم تستمر فيه حرب غير مشروعة، تلحق الولايات المتحدة بنفسها خسائر كثيرة. إنها تخسر احترام شعوب العالم وتأييد حكومات كثيرة، وتعمل في تدمير النظام العالمي الذي ساهمت بنفسها في وضعه. في القاهرة وبرلين، كما في بيروت وروما، في جاكرتا ومدريد، وفي لندن وعمّان، تحترق أعلام الولايات المتحدة في الشوارع أو يدوس عليها متظاهرون. هناك خسائر سياسية بلا حدود إضافة إلى غضب الجماهير. الولايات المتحدة من مؤسسي هيئة الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي. إنها الولايات المتحدة نفسها التي استهزأت بالأمم المتحدة وجردتها من كل احترام مثلما تصرفت بازدراء مع حلف شمال الأطلسي. تحدت القوة العظمى الوحيدة في العالم، بقية العالم ومزقت بوجهه ميثاق الأمم المتحدة ومضت بشريعة عالم الذئاب الكاسرة بحربها ضد العراق. إلى أين يقود صقور واشنطن الولايات المتحدة؟

بعد حوادث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر العام 2001، ترددت عبارة على ألسنة الكثيرين: لن يبقى كل شيء على حاله بعد اليوم. قبل أية جهة أخرى، عملت الإدارة الأميركية كل شيء كي يجري تنفيذ معنى هذه العبارة. بعد هذا اليوم الذي أجبرت فيه القوة العظمى على لعق جرحها بدأت تتصرف لتقول للعالم إنها قوة لا تموت ولا تنهزم وانها قبل كل شيء لا تحتاج إلى أحد حين تعمل في الدفاع عن أمنها ومبادئها، تغيرت الولايات المتحدة بفعل الهجوم على نيويورك وواشنطن، وبلغ غضبها حد التخلي عن مبادئها وقد قدمت إدارة بوش الدليل على أنها مستعدة للخروج عن القانون إذا كان يتعارض مع أهدافها.

(مما لاشك فيه أن إدارة بوش شرعت في العمل بسياسة سيكون لها نتائج وخيمة ومدمرة على مدى سنوات كثيرة مقبلة). هذا ما أقر به السناتور روبرت بيرد من الحزب الديمقراطي الأميركي في الكلمة التي ألقاها أمام مجلس الشيوخ عند مناقشة حرب بوش على العراق. وأضاف أنه يرى أن هذه الحرب ستغير العالم. بمعنى آخر أنه لن يكون عالما أفضل، فالديمقراطية التي زعم بوش أنه يريد أن تنتشر في العراق لا تتحقق بفعل القنابل وبالتأكيد لا تأتي على ظهور الطائرات الحربية والدبابات الثقيلة. إنه عالم تسوده هيمنة قوة عظمى تخلت عن مبادئها وتعمل اليوم كقوة بربرية.

إن علامات تغيير العالم جلية واضحة، أولها، استهزاء الولايات المتحدة بهيئة الأمم المتحدة بعد أن كانت السباقة في العالم في الدعوة إلى الالتزام بالمواثيق الدولية وتصرفت مثل حاكم يوناني أسطوري يدعى كرونوس قام بقتل أولاده لأن إحدى العرافات قالت إن أحدهم سيقضي عليه ويخطف العرش منه. ثانيا، انتشار حالة من الخوف والقلق في أنحاء العالم ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط، سورية وإيران كما في كوريا الشمالية، من أنها ستكون على قائمة الحرب التي يقول المبشر بوش إنها تستهدف القضاء على الأشرار وبهذا ساهم بوش في زيادة التسلح والتمسك بأسلحة الدمار الشامل للدفاع عن النفس كما دل على هذا قرار كوريا الشمالية رفض تقديم تنازلات للأميركيين ولن ترتكب الخطأ الذي وقع فيه العراق حين سمح بتدمير أسلحته حتى وقت قصير سبق اندلاع الحرب. لقد حول بوش الدعوة إلى نزع أسلحة الدمار الشامل إلى سخرية لن يأخذها أحد بعد اليوم على محمل الجد إن كان في كراتشي أو في نيودلهي، ثم أصبحت هناك حاجة ماسة بأن يطالب العالم بنزع أسلحة الولايات المتحدة نفسها لأنها تشكل تهديدا على الأمن العالمي عملا بحق التساوي بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. إن أبرز دليل على عدم حيازة العراق أسلحة الدمار الشامل، التي تذرعت بها الولايات المتحدة وبريطانيا، يقدمه الغزاة أنفسهم. الولايات المتحدة لن تفكر يوما بمهاجمة كوريا الشمالية لأن هذه الدولة تملك أسلحة الدمار الشامل وتقر بذلك. وقد قادت الولايات المتحدة التحالف لغزو العراق يقينا منها أن العراق لا يملك أسلحة الدمار الشامل. إن سلوك الولايات المتحدة يدفعها إلى الدفاع عن نفسها أمام العالم، باستخدام القوة وسيلة لفرض نظام عالمي جديد، وهي تفعل ذلك ضد إرادة شعوب العالم ولاسيما ضد إرادة الشعب العراقي الذي وحده يملك الحق باختيار قيادته وكل الذرائع التي قدمتها الولايات المتحدة لا تبرر الحرب التي تجري ضد رغبة المجتمع الدولي الذي عبر بوضوح عن رفضه القاطع لها. الحرب ضد العراق تستهدف الأمم المتحدة ليس بسبب ضعفها بل بسبب قوتها لأنها نجحت في رفض الانجرار في هذه الحرب.

الولايات المتحدة لم تتعلم من عبر التاريخ. بتاريخ 20 نوفمبر/تـشرين الثاني العام 1945 قال روبرت جاكسون كبير قضاة محكمة نورنبيرغ لجرائم الحرب التي ارتكبها النازيون الألمان: لا يجب أن ننسى أبدا أنه علينا عدم ارتكاب جرائم مماثلة للتي ننظر بها اليوم. في العام 1970 اعترف تالفورد تايلور أحد أبرز معاوني جاكسون أن الولايات المتحدة لم تتعلم من عبر محاكمة النازيين في نورنبيرغ وكان يعلق على حرب فيتنام. هذه العبارة التي انطبقت على الروس حين غزوا أفغانستان. الواضح أن الأميركيين عقدوا العزم على تمزيق كتب الماضي كافة والعمل في وضع كتب جديدة وقبل كل شيء: الإيمان بمبدأ القوة وليس بمبدأ القانون.

كيف يبدو هذا النظام العالمي الجديد الذي يسعى إليه المبشر بوش؟ لقد وقعت الولايات المتحدة في خطأ بغزوها العراق. من أول ضحايا سياسة الصقور تشيني ورامسفيلد ورايس وتينيت وغيرهم، فشل التصور الأميركي لحل المشكلة الفلسطينية. قال بوش إنه يريد رؤية دولتين في موعد أقصاه العام 2005. ليس هناك موعد لنهاية الحرب وإذا تحولت كما يتوقع الخبراء العسكريون إلى حرب مقاومة سرية، سيتحول العراق إلى ايرلندا الشمالية أو الجزائر تحت الاستعمار الفرنسي أو إلى فيتنام وربما ستالينغراد. كما يمكن القول إن تغيير النظام في العراق بواسطة القوة العسكرية لن يوقف مسار التسلح في العالم بل سيزيد منه. كما أن إعادة تعمير ما تدمره الحرب لن تخفف يوما غضب العالم العربي والإسلامي على الولايات المتحدة ودول التحالف. ليس سرا أن الإدارة الأميركية ستعمل في نهب ثروة الشعب العراقي، والاستئثار بنفطه والتصرف بأمواله المودعة في مصارف بالخارج، إذ من المقرر أن تستفيد منها شركات أميركية بالدرجة الأولى تعمل في مشروعات إعادة تعمير ما دمره الجيش الأميركي. هذا هو النظام العالمي الجديد الذي يقوم على شريعة الغاب

العدد 217 - الخميس 10 أبريل 2003م الموافق 07 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً