حين تغضب المرأة وتثور معلنة الحرب على حبها وقلبها وتبدي ندما وحسرة على حب تلاشى مع الزمن وتعلن رفضها لمبدأ الحب قبل الزواج وتحمله مسئولية فشل حياتها الزوجية... ثم تبدأ في إسداء النصح والإرشاد لزميلاتها أو ربما لبناتها، وتقول بإصرار: لا تصدقيه إذا عاهدك على خلود حبك في قلبه وفي كيانه مدى الحياة... فالحياة التي يقصدها ستنتهي في الشهور الأولى من الزواج وبعد ذلك سيريك الوجه الآخر ويهرب منك إلى سلة الأصدقاء طالبا منك فك قيده، فقد حن إلى «أيام العزوبية»، أو يتعلل بالعمل والمواعيد فقط ليمضي أكبر وقت ممكن بعيدا عنك، وإذا عاد إلى البيت مساء عاد متعبا مرهقا حاد المزاج متوتر الأعصاب، وقد يطلب منك الصمت والهدوء ليرتاح قليلا فعليه أن يعود ثانية إلى عمله. وهكذا تنقضي السنون.
إليك ـ سيدتي ـ أقول: إن الزواج ينعش الحب ويجدده باستمرار، نحن اللواتي نقتل الحب ونحول الحياة الزوجية إلى صقيع تتجمد عليه عواطفنا ومشاعرنا، وكل ما نملكه من أحاسيس. والرجل بطبيعته يميل إلى الدفء والحنان. مهلا قبل أن تثوري وتتهميني بالتحيز، قفي مع نفسك لحظات صدق وتحكيم وحاسبي نفسك بأمانة قبل أن تحاسبيه. تذكركم كنت رائعة أيام حبك وخطوبتك. فتاة هادئة وادعة. يطيب له حديثك الهامس الخجول... وعلى رغم لهفتك وانتظارك له فإنه يبقى سلطان الحياء يحكم تصرفك، ومن عينيك يفيض نهر محبة وحنان، وفي صوتك لهفة وشوق يستعذبها ويحن إليها وينتظرها.
عبير عطرك الهادئ يداعب أنفاسه، وإذا ما أمرك أجبته بكل طيبة وامتنان. كان دائما ينظر إليك بإعجاب ومحبة، يرى شعرك المسترسل فوق كتفيك، وثوبك الأنيق المتناسق وأنت تختالين زهوا برشاقة وخفة، إلخ. واليوم وقد انقلعت تلك الصورة الجميلة بكل زواياها فقد تحول الهمس إلى صراخ والهدوء إلى توتر وتذمر من دون معنى. قالت فلانة وعادت علانة ومن أمور كثيرة، أما أموره فقد غابت عن حساباتك وترتيباتك. إنه مرهق، يا سيدتي، أين عبيرك الساحر؟... تحول إلى مطبخ متنقل أينما تذهبين، وشعرك الناعم المسترسل تحول إلى كرة صلبة وضعت خلف رأسك.
والأدهى والأمر غصن بانك تحول إلى شجرة جميز ثقيلة تحملينها معك كيفما تتحركين. ويبقى هو يبحث عمن أحبها فلا يجدها أنت. وتقولين إن الزواج يقتل الحب؟ لا يا سيدتي، إن الحب بعد الزواج يتحول من خيال إلى حقيقة ومن جنون إلى عقل واتزان، والحب كالزهر يذبل إذا ما قسونا عليه. فلا تستقبليه بالتذمر والشكوى. لا يرتفع صوتك فوق صوته، اجعلي بيتك ركنه الهادئ وجنته المنشودة يفوح عطرها المنعش من حوله، لا تتعمدي خلق المشكلات لأتفه الأسباب، المهم تذكرينه بأنه قبل الزواج كان كذا وكذا. وأنت يا سيدتي حبذا لو تنظرين إلى الخلف قليلا لتري بوضوح كيف كنت وكيف أصبحت قبل أن تصبي جام غضبك عليه، فتتحولين إلى قنبلة موقوتة تنفجر لأتفه سبب.
أما هو فمازال حبك يسكن قلبه ولكن صورتك المتقلبة جعلته يدفن معاناته في العمل المتواصل ويحيا على ذكريات جميلة قد يجددها مع امرأة أخرى... وهذه الطامة الكبرى. عند ذلك ستعودين فتاة مازالت في العشرين متجددة هادئة وادعة وحنونة متفهمة لتعودي به إلى تلك الصورة الأولى، ولكن هل سيعود؟... إذن بادري فورا للتجديد
العدد 217 - الخميس 10 أبريل 2003م الموافق 07 صفر 1424هـ